بات الكلام عن تجدد المحاولات لإنقاذ مشروع تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان يثير السخرية أكثر من اي انطباع آخر بعدما فقد اللبنانيون اي ثقة بالطبقة السياسية وقدرتها على إخراج البلاد من التخبط الخطر الذي يحكم عملية تشكيل الحكومة منذ 11 شهراً.وفي ظلّ هذا الواقع لم تختلف التوقعات حيال أحدث جولات المشاورات التي بدأت قبل يومين وقيل انها ستكون الاخيرة قبل ان تُعلن مراسيم تشكيل الحكومة في الأسبوع الطالع، علماً ان العقبات التي لا تزال تعترض التوافق على الحكومة لم تتبدل في الشق الأساسي الذي يتمثل في المرحلة التي تعقب إعلانها اي انسحاب الوزراء الشيعة الأربعة وتضامن كل وزراء 8 آذار معهم ربطاً باعتراض زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على المداورة في الحقائب بما يعني تخليه عن وزارة الطاقة التي يتولاها صهره جبران باسيل.وبدا واضحا أمس ان اي جهة سياسية معنية بالجهود المتجددة لم تكن تملك اي ضمانات ثابتة حيال سيناريو محدد لما يمكن حصوله في اليومين المقبلين اللذين قيل أنهما سيكونان حاسميْن، اذ بات الجميع يتجنبون الوقوع في مطبّ تحديد المهل بعدما تكررت هذه الظاهرة الى حد الإساءة الكبيرة لصدقية الرئيس المكلف تمام سلام خصوصاً ورئيس الجمهورية ميشال سليمان.وإذا كان كثيرون يبررون ذلك بتعنّت الجهات المعرقلة لتشكيل الحكومة بل والانقلاب على تعهداتهم حول المداورة والتوازن في الحقائب السيادية بين 8 و14 آذار، فان هذا المنطق التبريري لم يعد مجدياً كثيراً في طمس واقع التآكل التدريجي الذي أصاب صدقية الرئيسين سليمان وسلام بما لم يعد يحتمل مجازفة اضافية في التزام مهلة والتراجع عنها.ولكن مطلعين عن قرب على الاجواء التي سادت الاتصالات الجارية والتي تواصلت أمس على هامش الاحتفال الرسمي بعيد القديس مارون شفيع الطائفة المارونية اعترفوا لـ «الراي» بصعوبة الأقدام على إصدار مراسيم التشكيلة الحكومية اليوم او غداً وفق آخر ما وصلته الجهود المبذولة، اي بما يعني ان المراوحة ظلت تحكم الجانب المتصل بعقدة مطالب العماد عون تحديداً، ولم يُسجل اي نجاح في ايجاد حل لها يكفل تعويم التوافق العريض على التشكيلة. وقال هؤلاء ان توافقاً «موْضعياً» حصل فقط على توزيع حقيبتيْ الداخلية التي ستذهب الى وزير من تيار «المستقبل» والدفاع التي ستذهب الى وزير من حصة الرئيس سليمان وذلك في اطار رغبة 14 آذار في تسهيل التشكيل رغم ان هذا يعطيها حقيبة سيادية واحدة مقابل 2 لفريق 8 آذار. وهذا التوافق المحدود يساعد الرئيس المكلف في إنجاز توزيع الحقائب على الورق اذا أراد المضي في اعلان تشكيلته من دون التوقف عند التهديد بسحب وزراء 8 آذار، لكن المطلعين شككوا حتى البارحة في إمكان حصول هذا التطور في الساعات المقبلة واعربوا عن اعتقادهم ان لا شيء يحول دون توقع مزيد من المماطلة تحت عنوان الحرص على تجنب أزمة اكبر من الازمة القائمة.والواقع ان الغموض المتزايد في الازمة الحكومية بدأ يثير الشكوك ليس في المواعيد والمهل فحسب بل في الخشية من نجاح المعرقلين بربْط هذه الأزمة ربطاً نهائياً بالاستحقاق الرئاسي وما بعده أيضاً. اذ لم يعد خافياً ان ثمة كلاماً على استحالة تشكيل حكومة غير توافُقية لان معركة الحكومة يمليها اقتناع ومعطيات متنامية حيال تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في موعدها في مايو المقبل. ولا بد والحال هذه من حكومة تمثيلية بالكامل يمكنها ان تتولى صلاحيات الرئاسة في حال تعذر اجراء الانتخابات لمدة متوسطة قد تناهز الأشهر او طويلة قد تصل الى حدود انتهاء المدة الممدة لمجلس النواب في الخريف المقبل. هذا على الأقل ما يجري تداوله في كل الكواليس السياسية ولا يجري الإفصاح عنه علناً من ايّ فريق.كما ان الامر الآخر الذي ازداد تداوله يتعلق بربط الاستحقاقات اللبنانية بتطورات الأزمة السورية اذ يتردد بقوة مثلاً ان بتّ مصير الرئيس السوري بشار الأسد سيفرض على اللبنانيين تأخير استحقاقهم الرئاسي الى ما بعد يونيو خصوصا مع تعذر حصول توافق دولي وداخلي معاً في لبنان قبل جلاء مصير الأسد. وتبعاً لذلك تفتقد الاستحقاقات اللبنانية لرافعات اقليمية ودولية دافعة اعتاد الوسط السياسي الارتكاز اليها في بت هذه الاستحقاقات. فيكف حين يكون الأطراف المؤثرون بقوة على القوى اللبنانية في حال احتراب وصراع كما هو الامر بين ايران والسعودية اللتين يعترف الجميع بأن صراعهما صار العامل الأشد تأثيراً على التحكم السلبي بواقع لبنان؟وكان لافتاً امس اعلان الرئيس سليمان بعد مشاركته في قداس عيد مار مارون في الجميزة (بيروت) وجوب تأليف حكومة على قدر امال اللبنانيين، سائلاً في اشارة ضمنية الى العماد عون: «هل التمسك بوزير او بشرط او بحقيبة اهمّ من التمسك بلبنان؟».واذ اعتبر «ان التأخير في تاليف الحكومة معيب»، كرر التمسك بإعلان بعبدا «فيعود جميع الاطراف الى لبنان ويجري البحث في تطبيق الاستراتيجية الدفاعية الذي يجعل الجيش القوة الوحيدة المسلحة»، موضحاً في اشارة ضمنية الى «حزب الله» انه طلب من نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند الذي التقاه اخيراً في تونس وبحث معه في الهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار (لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا) «سلاحاً نوعياً يجعل الجيش القوة الوحيدة التي تتصدى لاسرائيل».ويُذكر ان الملف اللبناني يفترض ان يحضر في القمة الاميركية - الفرنسية التي تُعقد اليوم في واشنطن الى جانب موضوعيْ سورية وإيران الرئيسييْن، وسط تقارير اشارت الى ان واشنطن وباريس سيستطلعان مدى امكان إرساء شبكة امان لحماية لبنان لا تكون ايران بعيدة منها وذلك بما يتيح تشكيل حكومة وإجراء انتخابات رئاسية في مواعيدها.