مع مواصلة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جلساتها في لاهاي في إطار المحاكمات الغيابية لأربعة من «حزب الله» في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، تتكشّف يوماً بعد آخر من خلال الاستماع الى شهود الادعاء و«الاستجواب المضاد» لهم من قبل الدفاع استراتيجيات عمل كل منهما التي ستحكم مسار المحاكمات الطويلة.وظهّرت الشهادة التي أدلى بها في اليومين الماضييْن شاهد سري قدّم إفادته بواسطة نظام الفيديو ومع تمويه وجهه وصوته، اتجاهاً يتبلور يوماً بعد يوم لدى فريق الدفاع عن المتهَمين الاربعة من «حزب الله» بتوجيه الأنظار الى البُعد السوري والمخابراتي لجريمة 14 فبراير 2005، علماً ان هذا الفريق يركّز استراتيجيته على نظريّة التفجير من تحت الأرض وليس بواسطة انتحاري وعلى محاولة دحض ان تكون سيارة «الميتسوبيشي» التي أظهر فريق الادعاء العام صورها في النفق المؤدي الى موقع الجريمة قبيل وقوعها هي التي استُخدمت في العملية، وذلك في اطار السعي الى نسف ركائز القرار الاتهامي للادعاء.وجديد الدفاع برز خلال الاستجواب المضاد للشاهد السري الذي تَواصل استجوابه امس والذي اتضح انه كان مسؤولا في مكتب مكافحة التفجيرات في قوى الأمن الداخلي عند اغتيال الحريري. فأحد محامي الدفاع الذي ظهّر ايضاً مسألة العبث بمسرح الجريمة، سعى الى الاضاءة على العلاقة التي كانت تجمع الشاهد بالعميد في المخابرات السورية في حينه جامع جامع الذي قُتل في اكتوبر الماضي في دير الزور، علماً ان هذا الضابط السوري سبق ان ورد اسمه ضمن لائحة المشتبه بهم بجريمة 14 فبراير 2005 التي قدّمها رئيس لجنة التحقيق الدولية الأول ديتليف ميليس بالإضافة الى المسؤولين الأمنيين الأربعة اللبنانيين الذين اوقفوا 44 شهراً بين اغسطس 2005 وابريل 2009 وذلك في اطار «البنية» التي اشار فيها ميليس الى تورط النظام الامني اللبناني - السوري المشترك في اغتيال الحريري.وفي حين ركّز مكتب الادعاء استجوابه للشاهد السري على إثبات أن «الميتسوبيشي» هي فعلا الشاحنة التي حملت المتفجرة التي حصلت بموجبها الجريمة، برزت استعانة الدفاع في معرض السعي الى تأكيد العلاقة بين الشاهد والمسؤول الأمني السوري جامع جامع، على «داتا» الاتصالات التي كان الدفاع شكّك فيها وفي صلابتها للاستناد عليها من الادعاء في القرار الاتهامي.واشار الدفاع الى ان الاتصال الأول بين الشاهد وجامع جامع كان في 7 يناير 2005، وأن الاتصالات بينهما تكثفت بعد اغتيال الحريري، إذ إن الشاهد اتصل بجامع جامع في صباح 15 فبراير 2005 ومن ثم في 15 و16 و17 و23 من الشهر نفسه، واستمرّت الاتصالات بينهما قائمة الى مارس 2005.اما الشاهد فعزا تواصله مع جامع جامع لأنه و«جماعته» هم السلطة الفعلية على الأرض، وقد دفعه خبيرا متفجرات كانا تابعين له (وهما ممن عملا في مسرح الجريمة، فور وقوعها) الى التعرف على جامع جامع، بعد 3 أيام من تعيينه في منصبه، ليتم تحاشي المضايقات التي تحصل على الأرض، كلما تحرك مكتب مكافحة المتفجرات، ميدانياً.وقرأت دوائر قانونية مراقبة لسير المحكمة، في المسار الذي يعتمده الدفاع محاولة للتشكيك بدليل شاحنة الميتسوبيشي وغيره من الادلة عبر ربطها بتضليل مخابراتي من النظام الامني السوري بما يعني استبعاد دور «حزب الله» الامني في الجريمة، معتبرة في السياق نفسه ان الإضاءة على العامل السوري بهذا المعنى لا يضير الادعاء الذي يواصل تحقيقاته لتحديد المحرّض والمخطط ومَن أعطى القرار باغتيال الحريري.