مع إطلالة شهر فبراير من كل عام تتزين الكويت وترتدي أبهى حللها وتعم الفرحة أرجاءها وتتواصل الاحتفالات بكافة أشكالها وأنواعها على مدار الشهر... يشارك فيها شرائح المجتمع المختلفة من الناحية الشعبية بالتناظر مع جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها... هذا الشهر الذي تجاور فيه يوما الاستقلال والتحرير... في الخامس والعشرين والسادس والعشرين منه، فيوم الاستقلال هو يوم إعلان الدولة ذات سيادة مستقلة وانضمامها إلى المجتمع الدولي كعضو فاعل، ويوم التحرير هو اليوم الذي عادت فيه أرض الكويت إلى أهلها وشعبها بعد أن تم أخذها غصباً من قبل غزو غاشم في العام 1990.فالحدثان عظيمان يستحقان الاحتفال بهما، وعلى قدر الحدث يكون الاحتفال به...ومواكبة للحدث وما يدور الآن على أرض الكويت يكون لنا هذه الوقفة... لكن لابد من أن نشير إلى أن ما يعنينا ليس الاحتفالات بذاتها، وإنما استثمار الحدث للحديث عن قيمتين عظيمتين هما «الوطن والمواطنة»، وبيان معنى الوطن وكيفية التعامل معه، ومفهوم المواطنة وما يندرج تحتها من حقوق وواجبات.وحتى لا نستغرق في السرد فإن الكلام سيقتصر على «الوطن والمواطنة» من منظور إسلامي.وفي هذا السياق، سيكون لنا وقفة مع مفهوم المواطنة في القرآن الكريم، وحب الوطن في ميزان الإسلام، وخيانة الأوطان باعتبارها جريمة شنعاء.ثم الحديث على تعريف المواطنة في مقاصد الشريعة الإسلامية وحقوق المواطن في الإسلام التي منها: حق الحياة، وحق الكرامة، وحق العدل وحق الحرية، وحق المساواة، وحق الاعتقاد، وحق التعليم، وحق احترام الخصوصيات الشخصية، وحق الرعاية.وفي مقابل هذه الحقوق التي فرضها الإسلام للمواطن فإن عليه واجبات أهمها: واجباته تجاه ربه وخالقه، واجبات تجاه أسرته، وواجبات تجاه ولاة الأمر... والأخير ينشئ للمواطن حقوقاً منها: المحافظة على عقيدة الأمة، وإقامة العدل بين الناس، وتوفير أسباب الحياة الكريمة، وحماية مصالح الرعية المادية والمعنوية، وتحقيق الأمن العام.بعد ذلك، يأتي واجب المواطن تجاه المجتمع، وهنا يوجب عليه الإسلام مجموعة من الأمور لتحقيق هذا الواجب، مثل: النصح العام بما يرشد الأمة، والمحافظة على عقيدتها، المحافظة على الوحدة الوطنية، المحافظة على البيئة وعدم إفسادها، المحافظة على أموال الآخرين، الحرص على محاربة الفساد والعمل على إيجاد روح المحبة بين الناس، وأخيراً عليه احترام الأقليات غير المسلمة.إن التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه ليس بالشعارات أو الاحتفالات وإقامة المهرجانات فحسب... وإنما شعور بالانتماء نابع من القلب، تتم ترجمته إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية تجاه هذا الوطن للتعبير عن حبه وصدق الانتماء اليه... كما أن المواطنة في الإطار الإسلامي تركن إلى قيم الإسلام التي تحدد الحقوق والواجبات.كما ان التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة ينبع من وحدة الأصل الإنساني، والنزعة الفطرية الإنسانية، فالكل سواء في أصلهم وجنسهم، ثم وحدة المصالح المشتركة والآمال التي تجعله كريماً عزيزاً والآلام التي قد تجعله معرضاً للمخاطر، مع التأكيد على أن الاجتماع البشري ضرورة إنسانية وأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده كل ذلك في إطار أن الإسلام دين القسط والعدل والحق.ولا ننسى أن الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي، فجاء الأمر بعمارتها والاستخلاف فيها، ومنها نشأت فكرة المواطنة.النّاس في الحقيقة لابدّ لهم من الاجتماع، فالاجتماع ضرورة لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لابدّ أن يعيش مع بني جنسه، للأنس في ما بينهم وللتّعاون على مصالحهم الدّينية والدّنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التّعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتّعاون والتّعارف والتّآلف، ولهذا قالوا الإنسان مدني بالطّبع، لا يمكن أن يعيش وحده.يقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (الإسلام... وحقوق الإنسان وواجباته) إن مصدر الحقوق والواجبات بثباتها لأصحابها هو الله سبحانه وتعالى، فالشريعة الإسلامية تنظر للحق والواجب على أنهما من مقومات كرامة الإنسان هي المعيار لصحة واستقامة أداء الحقوق والواجبات وفق إرادة الله تعالى، فالحق والواجب في الشريعة الإسلامية مقيدان بتحقيق إرادة الله ومرضاته،كما أنهما مقيدان بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخرين، وللناس أن يتعارفوا ويتفقوا على حقوق وواجبات فيما استحدث من أمور حياتهم... بما لا يتعارض مع إرادة الله وشرعته وبما يضمن تحقيق كرامة الإنسان ومصالحه، ويحقق إقامة العدل بين الناس.* فالحق في الشريعة الإسلامية هو: المصلحة الثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار، ويقرره المشرع الحكيم، وهو نوعان:عام ويشمل كل عين أو مصلحة تكون للشخص بمقتضى الشرع ويعني هنا (الملك بأنواعه).خاص ويشمل المصالح الاعتبارية والاتفاقية في عرف الشرع مثل حق الشفعة، حق القصاص...والحق في الشريعة الإسلامية هو منحة يمنحها الخالق جل شأنه للأفراد وفق ما يقضي به صالح الجماعة... فهو حق مقيد وفق الشريعة الإسلامية بمراعاة مصلحة الآخر وعدم الإضرار بالجماعة، فليس للفرد مطلق الحرية في استعمال الحق بحيث لا يقيده سلطان شيء... بل هو مقيد بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخر وحقوقه، وهذا يستلزم واجبين اثنين:واجب على الناس أن يحترموا حق الشخص، وألا يتعرضوا له في تمتعه في استعمال الحق.واجب على صاحب الحق نفسه أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين، ويستوي في هذا سائر الحقوق الخاصة والعامة.* والواجب في الشريعة الإسلامية: هو كل ما ثبت وجوبه بدليل شرعي، وهو ما يثاب بفعله ويعاقب على تركه إلا بعذر... أي أن الواجب في الشريعة الإسلامية هو كل ما أوجبه المشرع جل شأنه على الشخص والجماعة، وكل مأمن شأنه يحقق كرامة الإنسان ومصالحه وأمنه في إطار مصالح الجماعة وأمنها،وفق إرادة الله تعالى.* والمواطن في مقاصد الشريعة: هو كل إنسان ينتسب إلى بلد قدر الله له أن ينشأ فيها وينتمي إلى قومها ويعيش معهم، فهي ملكهم وحماهم وموطن أمنهم واستقرارهم وحقهم في الحياة، يتحملون جميعا أمام الله تعالى مسؤولية أمانة عهد الاستخلاف فيها، وعليهم جميعا واجب الحفاظ والذود عن سيادتها وأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، ومن يخالف ذلك وينتهكه إنما هو مخالف ومنتهك لعهد وميثاق المواطنة، ومخالف لأمانة الحفاظ على مصالح وسيادة الوطن والمستخلفين معه في الوطن الواحد.وبعد فإن (المواطن والواجب والحق) تشكل بنظر الإسلام وقيمته ومبادئه منظومة حياتية شرعية متكاملة متلازمة، وضرورة شرعية وحتمية لضمان كرامة الإنسان وقدسية مصالحة وأمنه واستقراره، وهي كذلك ضرورة شرعية لتحقيق العدل بين الأفراد والجماعات والناس أجمعين وفق إرادة الله عز وجل.فكرامة الإنسان وفق إرادة الله ومعايير شرعيه الخالدة هي التي تحكم وتضبط معايير وقواعد ممارسة الحقوق والواجبات والمواطنة، فكل حق أو واجب أو ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان وأمنه واستقراره وسيادته وفق إرادة الله تعالى لا اعتبار لها وهي باطلة في نظر الشريعة الإسلامية وقيمتها، باعتبارها أن كرامة الإنسان والأرض وسلامتها منحة من الله تعالى... وأن الحقوق والواجبات قيم متلازمة ومتكاملة لضمانها والمحافظة عليها وفق شرعة الله وارادته.ومن جهة أخرى، فإن الحق والواجب في الشريعة الإسلامية أمران متقابلان متكاملان، فكل حق يقرره الإسلام يقابله واجب وعلى الناس كافة أن يحترموا هذه الحقوق والواجبات وألا يتعدوا عليها لأنها منحة من الله تعالى... وفي ما يلي نقدم نماذج للحقوق والواجبات وقيم المواطنة التي يقررها الإسلام في الوطن الواحد وفي اطار التعايش بين المجتمعات الدولية.حقوق المواطن في الإسلام- حق الحياة: إن حياة الإنسان والمحافظة عليها وصونها من أساسيات وثوابت الشريعة الإسلامية... فالإسلام يقرر أن الاعتداء على البشرية جمعاء (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وكذلك ينهى الإسلام عن قتل الإنسان لذاته ويشنع مثل هذه الجريمة (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا)... ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها (يضرب بها) في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى (أسقط نفسه متعمدا) من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا فيها أبدا)، وبذلك يشدد الإسلام العقوبة في الدنيا على القاتل بأن يقتل زجرا لغيره من أن يقدم على نفس الجريمة...- حق الكرامة: إن الإسلام مثلما يقرر حق الحياة للإنسان يقرر كذلك منحه حق الكرامة... فالإنسان بالإسلام مكرم لذاته بصرف النظر عن انتمائه القومي أو الجنسي أو اللوني أو الديني، (ولقد كرمنا بني آدم)... وذات مرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع بعض أصحابه فمرت بهم جنازة فقام لها عليه السلام تعظيما وإجلالا فقيل له إنها جنازة يهودي فقال عليه السلام (أليست نفسا).- حق العدل: ان العدل هي القضية الأولى في الشريعة الإسلامية وهي من ثوابت مقاصدها في تحقيق كرامة الإنسان ومصالح الناس (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)... وإقامة العدل تمثل إرادة الله تعالى في إقرار المساواة بين العباد، والتزام العدل والتمسك بمعاييره الربانية... هو المعيار الصادق على الإيمان بوحدانية الله والاستسلام لارادته جل شأنه، وحيث ان الشرك يمثل أعظم أنواع الظلم (إن الشرك لظلم عظيم)... فلاشك أن العدل هو التعبير الصادق والبرهان الساطع القاطع على أعظم درجات الإيمان بوحدانية الله تعالى وتعظيم وامتثال أوامره، ومن أجل هذا فإن الإسلام يشدد على إقامة العدل حتى مع وجود الخصومة والعداوة (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).- حق الحرية: إن الإسلام وهو يقرر العبودية الخالصة لله تعالى وحده دون غيره من البشر أو الحجر وباقي الأشياء... فانه يقرر بذلك أقصى وأرقى درجات حرية الإنسان... ويؤكد رفضه الشديد أن يتخذ الناس بعضهم بعضا» أربابا من دون الله تعالى... ويؤكد كذلك رفضه ومقته أن يستعيد الإنسان أو يستذل أو يسترق... ورغب وأمر في مقاومة الرق والاستعباد الذي كان سائدا «ومتعارفا» عليه بين الأمم قبل الإسلام... واعتبر تحرير الإنسان من أقرب القربات إلى الله تعالى... وأنزل الله جل شأنه نصوصا قرآنية تأمر وتشجع على تحرير الإنسان من الرق والاستعباد (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة)، وخصص سهما من مصارف الزكاة لتحرير الإنسان من الرق علما بأن جميع مصارف الزكاة فرصة لتحرير الإنسان من الظلم وأعباء الحياة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)... بل وجعل تحرير الإنسان من الرق والاستعباد كفارة من الذنوب والآثام مثل كفارة القتل الخطأ (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار)، ويقول صلوات الله عليه (من لطم مملوكا له أو ضربه فكفارته عتقه)... وعلى أساس من ذلك جاء الإعلان العالمي لتحرير الإنسان على لسان الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وراء أربعة عشر قرنا» ونيف (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحراراً).- حق المساواة: يقرر الإسلام أن الناس سواسية أمام الشريعة الإسلامية (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)... ولا تفاضل بينهم في تطبيق الأحكام (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)... ولا حماية لأحد لسبب من الأسباب (إلا إن أضعفكم عندي لقوي حتى اخذ الحق له وأقواكم عندي لضعيف حتى اخذ الحق منه)... والناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء في معايير الشريعة (كلكم لآدم وآدم من تراب)... ولا يكون التفاضل إلا بالعمل (ولكل درجات مما عملوا)... وان الجميع في المجتمع المسلم متساوون بحق الانتفاع (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور)... وأكد الإسلام على المساواة في الأجر عندما يتساوى الجهد وتتماثل الكفاءة والمهارة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره).- حق الاعتقاد: لقد قرر الإسلام مبدأ عاما في حرية الاعتقاد والتفكير (لكم دينكم ولي دين)... وقرر في المقابل قاعدة حازمة في عدم الإكراه على الاعتقاد أو الرأي (لا إكراه في الدين)، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)... وقرر احترام مشاعر الآخرين وعدم التعرض بالأذى لهم والنيل من معتقداتهم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم)... وذهب الإسلام إلى اكثر من حرية الاعتقاد فقرر حرية ممارسة هذا الاعتقاد،والاحتكام إلى شريعته في ما يتعلق بالأحوال الشخصية المرتبطة بالمعتقد في إطار السيادة العامة للدولة المسلمة (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك)، (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)، (يأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل)... إلا إذا رغبوا أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية فذاك متاح العدل والإنصاف (فان جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط).- حق التعليم: يقرر الإسلام أن التعليم حق للجميع... وأول آية نزلت من القران على رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق)... ويأمر الإسلام في البحث العلمي واستكشاف مكنون السماوات والأرض واستثمارها لصالح الإنسان وكرامته (قل انظروا ماذا في السموات والأرض جميعا منه)، (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره)، (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا)، (وسخر لكم الأنهار)... ويقول رسول الله عليه السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة).- حق احترام الخصوصيات الشخصية: يقرر الإسلام عدم التجسس على الخصوصيات (ولا تجسسوا) وينهي رسول الهدى صلوات الله عليه عن تتبع العورات (ولا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فانه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله).- حق الرعاية: يقرر الإسلام أن من واجب ولي الأمر رعاية مصالح الناس... وتأمين ضرورات حياتهم وكرامتهم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)... ويقول عليه السلام (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...الحديث)... ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إن الله استخلفنا فيهم - أي الناس - من أجل سد جوعتهم وستر عورتهم وتأمين مهنتهم).واجبات المواطن في الإسلام- واجب المواطن تجاه ربه وخالقه: إن نماذج الحقوق التي ذكرناه آنفا... إنما هي منحة الله تعالى إلى عبادة... يوجب الحمد والشكر له سبحانه، وأول واجبات الشكر إخلاص العبودية لله وعدم الشرك بألوهيته وربو بيته تباركت أسماؤه وتعالت صفاته وتفردت إرادته في خلقه جل شأنه (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)... وإخلاص العبودية لله وعدم الشرك به سبحانه يبعث في النفس البشرية أعلى مراتب الإحساس بالحرية والمساواة مع الغير... ويقرر بالمقابل للإنسان حقين أساسين في الحياة هما:1 - حق التحرر من العبودية والمذلة لغير الله تعالى.2 - حق المساواة مع الناس جميعا.- واجب المواطن تجاه والديه: لقد عظم الإسلام من شأن طاعة الوالدين... وقرن ذلك بطاعة سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)... حتى وان جاهداه على الشرك فعليه أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف والإحسان (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).- واجب المواطن تجاه أسرته: الأسرة في الإسلام من أهم مؤسسات المجتمع المدني... بل هي أساسه المتين ومصدر أمنه واستقراره، وهي المعنية قبل غيرها من المؤسسات بتأصيل وتكوين الأجيال المسؤولة للنهوض بمهام سلامة كيان المجتمع، وتحقيق آماله في العدل والأمن والنماء والارتقاء... لذا فإن الإسلام أولى الأسرة عناية خاصة ومتميزة تأسيسا «وتأصيلا» لرسالتها الجميلة في الحياة...- واجب المواطن تجاه ولاة الأمر: يوجب الإسلام على المواطن السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله... كما يوجب النصح له وأعانته على النهوض بمسؤولياته في تحقيق مصالح الرعية... ويحذر الإسلام من الخروج على سلطان ولاة الأمر والتمرد على أوامرهم... إلا في حالة نقض الحاكم العهد مع الله وفق شروط عقد الولاية... مع مطالبة الرعية في تحري مصلحة الأمة إذا فكرت في الخروج على الحاكم... لأن مصلحة الأمة شرط مرجح في اتخاذ مثل هذا القرار الخطير... وهذه الواجبات من الرعية تجاه الحاكم تنشئ لها حقوقا» عليه منها:1 - المحافظة على عقيدة الأمة وتطبيق شريعتها وصون هويتها الثقافية وأعرافها وتقاليدها، والعمل على الارتقاء بمستواها الحضاري.2 - إقامة العدل بين الناس.3 - المساواة بين المواطنين.4 - توفير أسباب الحياة الكريمة للجميع.5 - السهر على حماية حياة المواطنين وغيرهم.6 - حماية مصالح الرعية المادية والمعنوية.7 - تحقيق الأمن العام للمجتمع.8 - العمل على حماية السيادة العامة للأمة.واجب المواطن تجاه المجتمع: يوجب الإسلام على المواطن تجاه مجتمعه واجبات عديدة نوجزها بما يلي:1 - النصح العام بما يرشد الأمة ويعنيها على الالتزام في عهدها مع الله تعالى والالتزام في عهدها مع الحاكم، والتزام عهدها تجاه بعضها البعض في العمل معا» على إقامة مجتمع ينعم بالعدل والأمن والاستقرار والكفاية والسيادة.2 - المحافظة على عقيدة الأمة والتزامها شريعتها، واحترام هويتها الثقافية والعمل على الارتقاء بنهجها الحضاري.3 - السهر على صون الأمة العام،فكل مواطن يتحمل مسؤولية حماية أمن الأمة كل في مجال اختصاصه واهتمامه (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...)، ويقول عليه الصلاة والسلام (كل منكم على ثغرة من ثغر الإسلام الله الله أن يؤتى الإسلام من قبله).4 - المحافظة على الوحدة الوطنية وعلى وحدة أراضي الوطن وسيادتها، وعدم إثارة الفتن والشغب،أو التآمر مع الغير ضد سيادة الوطن ووحدته الاجتماعية ووحدة أراضيه.5 - العمل على تقوية التنمية الزراعية وتطويرها وعدم الاعتداء على محاصيلها،مع السعي المخلص لإثراء التنوع الزراعي بما يحقق كفاية الأمة ويعزز مصادر مواردها الاقتصادية،حيث يقول الرسول عليه السلام (إذا قامت الساعة وقي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليفعل).6 - العمل على إثراء التنمية الصناعية وتحسينها إنقاذا لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا» أن يتقنه)... ويقول عليه السلام (إن الله يحب العبد المحترف).7 - وجوب العمل على توسيع التنمية التجارية (تسعة أعشار الرزق في التجارة)... أو كما قال عليه السلام.8 - العمل الجاد على تطوير البحث العملي وتوسيع ميادين استثمار الثروات والتنقيب عنها (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).9 - العمل بجد على التحصيل العلمي وزيادة المعرفة والتنمية الثقافية (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، وقد اختص الإسلام أهل العلم بمراتب تفوق من هم دونهم بالعلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).10 - المحافظة على البيئة وعدم إفسادها فهي سكن الإنسانية جمعاء وملاذ أمنهم المشترك (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، ويقول عليه الصلاة والسلام (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).11 - المحافظة على أموال الآخرين وعدم الاعتداء عليها (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، ويقول عليه الصلاة والسلام (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام).12 - العمل على تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي إذا ويقول رسول الله صلوات الله عليه (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم).13 - الحرص على محاربة الفساد والمخدرات والمسكرات (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)، ويقول عليه السلام (كل مسكر حرام).14 - .العمل على إيجاد روح المحبة بين الناس وحب الخير لهم يقول عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).15 - يوجب الإسلام على المواطن المسلم خاصة احترام الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم حيث يقرر الإسلام لهم: (حق المواطنة الكاملة)... (حرية الاعتقاد والعبادة)... (حرية الاحتكام إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية إن رغبوا ذلك).
متفرقات - إسلاميات
في ذكرى احتفالات دولة الكويت بيومي الاستقلال والتحرير
الوطن والمواطنة ... قيمتان عظيمتان أولاهما الإسلام اهتماماً كبيراً في إطار منظومة من الحقوق والواجبات
مظاهرة احتفالية في ذكرى استقلال الكويت وتحريرها
08:25 م