بلغت الأزمة الحكومية في لبنان حدوداً غير مسبوقة في السباق مع التطورات الأمنية الشديدة الخطورة التي تحدق بالبلاد جراء تَعاقُب العمليات التفجيرية الارهابية بوتيرة سريعة كان آخر نماذجها التفجير الانتحاري في الشويفات الذي جاء بعد اقل من 48 ساعة من تفجير الهرمل.واذ تشارف الأزمة الحكومية على طيّ شهرها العاشر يوم غد، فان كل المعطيات التي تجمّعت في الساعات الاخيرة أوحت بان عملية استيلاد الحكومة الجديدة تمرّ بأصعب مخاض مما يجعل الجزم مسبقاً باتجاهاتها النهائية الحاسمة ضرباً من المغامرة.ذلك ان تناقضاتٍ شديدة سادت المشهد المحتقن والمشدود بقوة بعدما وضع اجتماع طويل ضم رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام مساء الاثنين الأساس لتشكيلة حكومة سياسية جامعة من ثلاث ثمانيات «بمن حضر». ولحظت مسودة التشكيلة توزيع الحقائب الوزارية على مختلف الكتل تبعاً لمبدأ المداورة بما يعني تخصيص حصة زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون الرافض للمداورة بحقيبتيْ الخارجية (سيادية) والاشغال العامة الى حقيبة ثالثة قد تكون ايضاً التربية، في ما يُعتبر حصة وازنة ومهمة للغاية في مقابل إسناد حقيبتيْ الطاقة والاتصالات (كانت من حصة عون) الى وزراء من حصتيْ سليمان وسلام. واعتُبر هذا الامر إثباتاً لحسن النيات من جانب رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف اللذين ضحيا بالحصول على حقيبة سيادية لكل منهما سعياً الى اقناع عون بتسهيل عملية التأليف في فصلها الاخير.غير ان هذه التشكيلة بدت في مواجهة مع احتمال مضي عون في رفضها من جهة وعدم خروج حلفائه على مبدأ التضامن معه من جهة اخرى، اذ ثبت ان لا رئيس البرلمان نبيه بري ولا حزب الطاشناق ولا النائب سليمان فرنجية ابدوا استعدادات للقبول بالتشكيلة في معزل عن عون الذي يستند اساساً الى تضامن «حزب الله» معه ودعم مطالبه بقوة رغم انه سبق للحزب ان وافق على المداورة. كما ان اعتراضاً جديداً برز من جانب الحزب اثار مزيداً من غبار الشكوك وتمثل في رفض اسناد حقيبتيْ الداخلية والدفاع الى فريق 14 آذار بحجة انها تستأثر بذلك بالحقيبتين الامنيتين معاً.صورة التعقيدات هذه واكبت مجمل الاتصالات التي تواصلت امس بكثافة بعيداً من الاضواء حيث نشط الوسطاء ولا سيما منهم الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط عبر وزيره وائل ابو فاعور في السعي الى ايجاد مخرج اللحظة الاخيرة كما دخل النائب سليمان فرنجية على خط المساعي من خلال ممثله المحامي روني عريجي في حين بدا لافتاً التزام الرئيس بري عدم التدخل لا سلباً ولا ايجاباً، مما رسم اكثر من علامة استفهام حيال المسار الذي ستسلكه الازمة في الساعات المقبلة.وذهبت اوساط مواكبة للاتصالات الجارية الى القول ان الاسبوع الجاري مرشح لان يكون الاسبوع الحاسم فعلاً إما سلباً وإما ايجاباً لان الرئيسين سليمان وسلام ابديا جدية اكثر من اي وقت في اعلان التشكيلة الحكومية هذا الاسبوع حصراً. ولكن هذا الاتجاه بدا عرضة للشكوك في ظل احتمال اصطفاف كل قوى 8 آذار وراء رفض العماد عون للحقائب التي ستُسند اليه مما يعني في هذه الحال انهيار التشكيلة برمتها وخصوصاً اذا اعتُبرت التشكيلة منافية للميثاقية مع غياب كتلة عون وكذلك «القوات اللبنانية» عنها بما لا يمكّن الرئيس سليمان من توقيع مراسيمها.غير ان اللافت كان تلميح رئيس الجمهورية الى اقتراب ساعة الحسم الحكومية، عندما أكّد ضرورة تأليف حكومة في ظلّ الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، لافتاً الى انّ الرئيس المكلف يجري جولة جديدة من الاتصالات قد تظهر نتائجها في اليومين المقبلين. ورأى انّه لا يمكن ان يبقى البلد من دون حكومة، فلتشكّل بحسب الآليات الدستورية، وتذهب الى مجلس النواب لمناقشة الثقة، وهناك قد تحصل عليها ام لا.ولفتت الأوساط نفسها هنا الى استبعاد الاقدام اليوم تحديداً على اي خطوة حاسمة لان الجميع ينتظرون الوثيقة التي ستصدرها بكركي بعد اجتماع مجلس المطارنة الموارنة والتي تتضمن مبادئ سياسية ووطنية من وحي الاوضاع المأزومة في لبنان والمنطقة وتدعو بقوة الى حياد لبنان وانتظام مؤسساته والتزام اجراء الاستحقاق الرئاسي وتشكيل الحكومة. ولعل ما لا تخفيه الاوساط ان مخاوف تصاعدت بقوة في الايام الاخيرة من خلفيات اقليمية لإحباط الولادة الحكومية تزامنت مع التطورات العسكرية في سورية بعد مؤتمر جنيف -2 وما يحكى عن تحضيرات واسعة لعملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق متاخمة للحدود اللبنانية الشرقية والشمالية بما يعني استئخار الحسم الحكومي الى مدة اضافية جديدة الا اذا حصل التطور الذي يترقبه الجميع باعلان الرئيسين سليمان وسلام الحكومة بمن حضر مع كل ما يرتبه ذلك من محاذير.