... قد تكون هذه أو ربما تلك. لعلها رباعية الدفع، أو مَن يدري فصغيرة الحجم ربما تكون كبيرة المفعول وستنفث خلال ثوان لهيب النار بعد أن تعصف بالمكان وتحوّله ركاماً من دم ودمار. هذه «الكوابيس» وأخرى أكثر دراماتيكية «تحبس أنفاس» اللبنانيين بعد انتشار «رُهاب» السيارات المفخخة الذي زاد من وطأته «فوج» الانتحاريين الذين نفّذوا اربع عمليات متتالية منذ نوفمبر الماضي من اصل ثماني تفجيرات ضربت لبنان في الاشهر الستة الاخيرة.الضاحية الجنوبية لبيروت نالت «حصة الأسد» من خلال تفجيرات بئر العبد ثم الرويس فالسفارة الإيرانية (تفجير انتحاري)، حتى ان محلة حارة حريك فيها «لُدغت» من الإرهاب «الانتحاري» مرتين في 2 و21 يناير. وفي حين ضُربت عاصمة الشمال طرابلس بتفجير مزدوج كان الأكثر دموية في حصيلته واستهدف مسجديْ «السلام» و«التقوى» في اغسطس الماضي، كمن الموت «الانتحاري» للهرمل البقاعية (في 16 يناير) التي أصيبت في واحد من أحيائها المكتظة. اما وسط بيروت، فنال «نصيبه» من «الإرهاب السياسي» مع السيارة المفخخة التي استهدفت القيادي في قوى «14 آذار» الوزير السابق محمد شطح في 27 ديسمبر الماضي.وسط هذه الحلقة «الجهنمية» من الموت على جوانب الطرق، «يعاند» اللبناني القدَر الذي يريد له ان ينضمّ الى «عدّاد» القتلى بـ «رتبة» شهداء... وفي خضم تهديدات تنظيمات متفرعة من «القاعدة» لـ «حزب الله» ومعاقله بمزيد من «الضربات القاتلة»، وفي غمرة «التوقعات» باستهدافات ارهابية اخرى لن توفّر المناطق «المسيحية» والمجمعات التجارية، لم تتأخّر المناطق الأكثر «سخونة» والواقعة «على خط التفجيرات» في التكيّف مع واقعها الجديد، على سوداويته، سواء بـ «دشم» ارتفعت امام العديد من المحال التجارية كما في الضاحية الجنوبية مثلاً، او بتعديل مواطنين «خط سيرهم» وحتى اختصار أنشطتهم لتفادي «خطر الموت» الذي «يصطاد» الأبرياء من دون تمييز بين عمر او جنس او طائفة او مذهب.فاطمة م. التي تسكن في شارع عبد النور في حارة حريك، تكشف لـ «الراي» أنها استبعدت أحياء عدة في الضاحية عن خريطة طريقها المعتادة، لافتة إلى أن أحياء كبئر العبد والرويس لن تطأها «حتى أجل غير مسمى». وإذ تشير إلى أن هذه المناطق لطالما ترددت عليها سابقاً، ترى أن «الذهاب إليها اليوم بمثابة انتحار».طريق فاطمة اليومية «الاضطرارية» ستواظب على سلوكها على قاعدة «مجبر أخاك لا بطل». وهي ككل يوم ستمشي مسرعة لاجتياز «قطوع» كل سيارة. واذ تفرح لتخطي واحد، ترفع أدعية لربها لتنجو من أخرى «تثير الريبة». فللسيارات المفخخة بالنسبة للطالبة الجامعية سمات استخلصتها من التفجيرات السابقة، حيث توضح: «على سبيل المثال السيارات الحديثة، الضخمة والفخمة، تثير الخوف في نفسي. أما المتهالكة فهي دليل على حالة صاحبها «التعبانة» (تضحك). وتضيف بألم: «حالتي النفسية سيئة جدا، كغالبية سكان المنطقة إن لم يكن كلهم. حياتنا انقلبت رأساً على عقب مذ تبددت هالة «الأمن الممسوك» وباتت كل الضاحية على فوهة بركان»، لافتة إلى أنها وإثر التفجير الأول الذي ضرب حارة حريك لم تتمكن من النوم وحدها في غرفتها لخمسة عشر يوماً متواصلة. وتختم: «أنا لست «فدا» لأحد. ولو تسنح لي الفرصة للنزوح عن الضاحية لن أتردد أبداً».على عكسها، ترفض حوراء فلا مغادرة الضاحية «اليوم أكثر من أي وقت مضى». فالشابة لن تحقق، بحسب ما تقول، مبتغى «التكفيريين» الذين لا يمتّون إلى الإسلام ويريدون الاستيلاء على ما يسمونه «بلاد الشام». وهي ككل أهالي الضاحية «متمسكة بأرضها ولن تغادرها».الفتاة العشرينية تكشف لـ «الراي» حكايتها «المؤلمة» مع التفجيرات، لافتة إلى «أنها من الهرمل التي استهدفها الإرهاب ضاربا أحد أحيائها». وهي تسكن اليوم في الضاحية الجنوبية بعيداً عن أهلها وبالقرب من كلية الإعلام التي التحقت بها قبل سنوات.وبكثير من اللوعة تصف حوراء حالتها النفسية بـ «السيئة جداً»، مشيرة إلى أنها خائفة على أهلها في الهرمل، والذين بدورهم يخشون على مصيرها هنا في الضاحية. ولذلك تراها «تتقشف» بتنقلاتها حد الاكتفاء بالأهم تاركة المهم، مشيرة في الوقت عينه إلى «أنها لن تلتزم منزلها مهابة الموت، فـ «المكتوب ما منه مهروب» والأعمار بيد الله». وتختم: «أنا مع الأمن الذاتي في الضاحية، فوجوده حمى المنطقة من التفجيرات. والشباب لم يؤذوا أحداً بالدور الذي اضطلعوا به حينها».«أبو قاسم» سائق التاكسي، الذي يجوب شوارع بيروت من الحمراء إلى فردان، مار الياس فضلاً عن الواجهة البحرية للعاصمة على وقع أغاني الزمن الجميل المنبعثة من مذياعه المتهالك، يرمق كل مَن يستوقفه للذهاب إلى الضاحية بنظرة مستغربة، قائلاً: «إلا الضاحية». فخطر الموت يتراءى له في كل ركن منها، وهو لن يطأها مهما بلغت إجراءات الوقاية وتَضاعف الأمن الذاتي «اللهم إلا إذا كان «التوصيلة» إليها باجرة «مرموقة» فعندها يمكن ان يكون للبحث منحى آخر»، بحسب ما يقول ممازحاً.في الأشرفية، شرق العاصمة بيروت، حالة الهلع والخوف نفسها من التفجيرات تسود المكان. عبر «الواتساب» يتناقل الشباب نكاتاً، سكبت المصيبة في قالب مضحك، تخفف من مرارة الواقع الموجع. «إذا مش الثلاثاء الخميس». أي إذا سلمتَ من انفجار الثلاثاء لن تفلت من المنتظر الخميس، وذلك استناداً الى «دراسة على السريع» لاحظت «نمطاً» للتفجيرات التي تضرب بيئة «حزب الله» الحاضنة يركّز على هذين اليومين.كريستيل نوار توضح لـ «الراي» أن أهالي الأشرفية ككل اللبنانيين متخوفون من السيارات المفخخة، وهم يشتبهون بأي سيارة غريبة تظهر في الأحياء والشوارع. مردفة: «سيارة «كيا» تثير الشكوك، كذلك الملتحون».كريستيل أيضاً فرضت عليها الظروف تبديل نمط حياتها اليومية، حيث امتنعت عن التردد إلى المجمعات التجارية والأماكن الشعبية وتلك التي تشهد اكتظاظاً. «بتنا نقصد المطاعم القريبة من المنزل، ونسلك الطرق الرئيسية ونتحاشى الفرعية قدر الإمكان».جنوباً إلى صيدا، تهبط زينة س. من منزلها الجبلي إلى عاصمة الجنوب للتسوّق بعد أسبوع حافل بالامتحانات الجامعية. السوق الشعبية للمدينة تصفه مباشرة من هناك لـ «الراي» بـ «الميت»، لافتة إلى أنه «لا يشبه نفسه، وهو الذي يُعدُّ من الأسواق الشعبية الأكثر اكتظاظاً وحيوية في لبنان».زينة تبرر لنفسها الركود الذي تعيشه الأسواق، فتقول: «لا أحد منا يعلم إن كان سيعود إلى بيته سالماً في كل مرة يغادره فيها. كثر يعيشون «تحت الإقامة الجبرية» التي فرضتها الظروف الأمنية. وكأن «اجترار» الويلات باتت تقليداً موروثاً نتناقله أباً عن جد». وتتابع ممازحة: «في طريقنا مرت سيارة سوداء لوحتها سياسية بمحاذاة الباص الذي يقلنا، فصحنا جميعاً بالسائق راجين أن يبتعد عنها مخافة أن تكون مستهدفة». وبغصة تأسف لأن الخطر يتربص باللبناني في كل مكان. فبرأيها «الخوف من المجهول جعل اللبنانيين كائنات منغلقة على نفسها كـ «محارة»، محملة «حزب الله» مسؤولية ما آلت إليه الظروف الأمنية والسياسية في البلاد، ومشيرة إلى أن «مشاركته بالقتال في سورية، جاءت بالدب إلى كرمنا». وتختم: «لا أريد الموت فداء أحد. لبنان ينزف مستقبله بكل تفجير يضرب مناطقه، فليعد الحزب أدراجه إلى لبنان. كفى».عبدالله الزعبي ابن طرابلس، يتحدث لـ «الراي» بنبرة الألم نفسها عند خروجه من المسجد العمري في عاصمة الشمال بعد فراغه من صلاة الجمعة كما في كل أسبوع. الإرهاب لن يثنيه عن تأدية الفريضة الدينية في المسجد، وإن جاء ذلك «على حساب أعصاب الأهل، لا سيما وأن المساجد الطرابلسية معروفة اليوم بنبرتها العالية خصوصاً في موقفها الصامد تأييداً للثورة السورية».ويردّ الزعبي مآل الأمور في طرابلس وكل لبنان إلى «الأيدي الخارجية التي تريد تنفيذ المشروع الإيراني في لبنان. فإيران تريد وضع يدها على بلاد العرب مدفوعة بحقدها عليهم»، مشيراً إلى «أنها تلعب على وتر مشاعر الطائفة العلوية في لبنان لتسديد هدف في مرمى الفتنة».ويختم: «الحياة مستمرة في طرابلس... رغماً عن السيارات المفخخة وجولات القتال المتجددة في المدينة».
متفرقات - قضايا
«دشم» أمام محال... تقليص الحركة... تعديل «خط السير» و«حظر ذاتي» على مناطق الخطر
... هكذا «يتكيّف» اللبنانيون مع «رعب» التفجيرات
«دشم» و«متاريس» أمام أحد المحال التجارية في الضاحية الجنوبية في بيروت
03:37 م