لم يفاجئ الدوران في دائرة المراوحة والتعثر الذي يطبع عملية تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان اياً من المعنيين بها واقعياً رغم كل ما كان يتردد عن مواعيد ومهل لاستيلاد الحكومة العتيدة.لكن عاملاً لافتاً برز في الساعات الاخيرة وحمل دلالة مهمة وتمثل في إعادة البحث في توزيع الحقائب الوزارية السيادية الاربع وهي الخارجية والداخلية والمال والدفاع سعياً الى استرضاء زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون بمنحه إحدى هذه الحقائب الى جانب حقيبة خدماتية وأخرى ثانوية، ولو ان هذا المسعى لا يزال في بداياته وليس مضموناً اذا كان عون سيرضى به للتخلي عن حقيبتيْ الطاقة والاتصالات اللتين يتشبث بالاحتفاظ بهما. ويهدف الطرح الجديد الى منح عون حقيبة الخارجية بعدما رفض الرئيس نبيه بري التخلي له عن حقيبة المال التي ستعود الى شيعي من كتلة بري بفعل المداورة.ومع ان الامر يتصل بتفاصيل واقتراحات تجريبية يتولى طرحها في شكل خاص الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عبر وزيره وائل ابو فاعور الذي يتولى الاتصالات المكوكية ونقل الاقتراحات وتداولها بين سائر المعنيين، فان ما تصاعد على سطح هذه المحاولات لإحداث اختراق رسم اطاراً لتعقيدات اضافية حتى الساعة. ذلك ان اعادة توزيع الحقائب السيادية اولاً سيؤدي الى إعادة خلط الأوراق برمّتها بما قد يهدد بحرمان كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام من اي من الحقائب الاربع في حال قبول عون بالعرض الاخير اي بنيل حقيبة سيادية مقابل الطاقة والاتصالات وهو الامر الذي يصعب تصوره.اما الأبعد من تعقيدات المحاصصة والحقائب فبرز في تصاعد التباينات والحساسيات داخل فريق 8 آذار نفسه من جهة وكذلك في تصاعد الجفاء بين سلام والفريق العوني من جهة اخرى. ذلك ان اوساطاً متابعة اشارت عبر «الراي» الى ان الانحياز العلني لـ «حزب الله» الى جانب عون في اليومين الاخيرين ترافق مع تجديد الرئيس نبيه بري قوله انه «خدم عسكريته» ولن يتدخل الا اذا ظهر معطى جديد. وفسرت ذلك بأن بري يعبّر عن امتعاض مبطن من الحزب وعون سواء بسواء لان رئيس البرلمان الذي كان مفوضاً من فريق 8 آذار بالتفاوض ارسى مع كتلة «المستقبل» وسليمان وسلام وجنبلاط التفاهم الاساسي على الحكومة وفق ركيزتيْ الثلاث ثمانيات والمداورة الشاملة في الحقائب فاذا بالامور تتبدل وتصطدم بتصلب عون ورفضه للمداورة بما يعني ان ما اخذه «حزب الله» على عاتقه لم يتحقق ولذا انكفأ بري.وفي المقابل، تلفت الاوساط الى ان الفريق العوني يمعن في اشاعة خطاب عدائي ضد الرئيس المكلف ويصور العقدة كأنها صنيعة اسلوب سلام في الامتناع عن التفاوض المباشر معه. واذا كان عون ذهب الثلاثاء الى دعوة سلام الى الاعتذار فان نبرة نوابه ووزرائه تصاعدت بعد ذلك حيال سلام مما من شأنه ان يزيد الامور تعقيداً.وتعتقد الاوساط نفسها ان اي جديد لن يطرأ على المأزق قبل الاسبوع المقبل علماً ان الشكوك بدأت تتنامى بقوة حول امكانات التوصل في وقت وشيك الى مخرج. وتضيف ان المعطيات الجدية لا تزال تشير الى ان فرصة استيلاد حكومة سياسية على قاعدة الثلاث ثمانيات لم تسقط ولا تزال قائمة ويصعب تماماً العودة الى سيناريو الحكومة الحيادية التي لم يعد اي فريق يطالب بها الا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ومع ذلك فان مجريات الايام الاخيرة رسخت الانطباعات حيال ارتباط المخاض الحكومي بمرحلة انتظار نتائج مؤتمر «جنيف ـ 2» السوري وهو ربط يعزى بالدرجة الاولى الى «حزب الله» والعامل الايراني بدليل ان الفريق الاساسي في محور 14 آذار اي تيار «المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري لم يعقّد اي امر في عملية تشكيل الحكومة بل ينقل عنه الكثير من التسهيلات والتنازلات التي لم تُقابَل بما يوازيها حتى الان من الجانب الآخر.وفي موازاة ذلك، نُقل بعد ظهر امس عن مصادر الرئيس سلام ان «الحراك مستمر وفي شكل مكثف لتذليل العقبات وازلة العقد المستجدة التي تحول دون ولادة الحكومة السياسية الجامعة المنتظرة».وبحسب تقارير في بيروت فان مصادر سلام فضلت عدم الخوض في الحديث عن برنامج للقاءات المحتملة للرئيس المكلف خلال الساعات المقبلة. واكدت ان «الجهود الايلة الى تأليف الحكومة لم تتوقف اطلاقاً وان جميع الافرقاء يشاركون فيها في شكل او في آخر».وذكرت المصادر ايضاً ان الرئيس المكلف يرفض موضوع الدخول في المهل المحددة. وقالت ان «سلام لم يدخل لا مباشرة، ولا عبر مصادره في مسألة مهل لولادة الحكومة، وكل ما يمكن قوله ان ابواب التواصل والاتصال تتم مع جميع المعنيين، وما برحت مفتوحة. وثمة طروحات وعروض تتم بصياغات معينة من شأنها ان تساهم في تذليل العقبات».