لم تعد «العواجل» المفجعة عن انفجار هنا او مجزرة هناك، أمرا مفاجئا في بيروت التي صارت مدينة محبوسة الانفاس على مدار الساعة. فمَن يتجوّل في العاصمة والضواحي، في الليل كما في النهار، يكتشف حجم «الفزع» الذي يستوطن يوميات اللبنانيين الذين احصوا حتى امس حصول ثماني عمليات تفجير دهمت البلاد في نحو ستة اشهر، بينها اربع عمليات نفذت بواسطة انتحاريين، وثلاث منها دوّت في هذا الشهر.ثمة شعور كان ينتاب اللبنانيين بان انفجاراً ما سيقع، لكن السؤال «المرعب» الذي يفسر مشهد الشوارع شبه الخاوية هو: أين؟ ومتى؟ الى ان جاء الجواب قبل ظهر امس من حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت مع دوي انفجار هو الثاني في هذا الشهر، وفي «الشارع العريض» الذي استهدفه الانفجار الاول في 2 يناير الجاري وادى الى... المشهد عينه.... انتحاري باغت الناس في الشارع وفي وضح النهار موقعاً ما لا يقل عن اربعة قتلى و50 جريحاً حسب حصيلة اولية. لم يركن سيارته لكنه ترجل منها على عجل، عبوة متواضعة حولت المكان مستودع موت وخراب، واشلاء متطايرة في كل الاتجاهات، وسيارات اسعاف واطفاء وزحمة فضوليين على مسرح الجريمة، واستديوهات لـ «البث السياسي» من فوق الانقاض والانفاس... هكذا بدا المشد امس كما في كل انفجار.وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة قبل الظهر حين دوى الانفجار على بعد نحو 60 متراً من موقع الانفجار الذي وقع في الثاني من يناير ونفذه الانتحاري قتيبة الساطم، وتحديداً قرب مكتبة «القدس» في الشارع العريض.وأدى الانفجار الى احتراق الطبقات الثلاث من المبنى الملاصق لسنتر «السباعي» مقابل «بنك البركة» في حارة حريك اضافة الى اشتعال عشرات السيارات وتضرر المباني المجاورة.ومع نقل الضحايا الذين بلغ عددهم اربعة والجرحى الذين ناهزوا الخمسين، بدأت التقارير ترد عن ان انتحارياً هو الذي نفذ الانفجار لتكون العملية الانتحارية الرابعة بعد تفجير السفارة الايرانية في 19 نوفمبر الماضي وحارة حريك في الثاني من الجاري والهرمل يوم الخميس الماضي.واعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان لها ان «سيارة رباعية الدفع من نوع كيا رقم 429514/ج، مفخخة بكمية من المتفجرات انفجرت في محلة حارة حريك - الشارع العريض، وهي مسروقة ومعممة أوصافها سابقا وتعود ملكيتها للسيد كلاس يوسف الكلاس».وفيما اشارت تقارير الى ان جزءاً من العبوة الناسفة لم ينفجر، اعلن وزير الداخلية مروان شربل أن «السيارة كانت مفخخة والانتحاري كان يرتدي حزاماً ناسفاً لم ينفجر»، علماً ان معلومات تحدثت عن الـ «كيا» كانت مفخخة بنحو عشرين كيلوغراماً من المواد المتفجرة موضوعة في الأبواب.وقد تبنت «جبهة النصرة في لبنان» في بيان نشرته عبر «تويتر» انفجار حارة حريك رداً على ما وصفته بـ «مجازر حزب ايران بحق اطفال سورية وعرسال» في اشارة الى الصاروخ الذي استهدف البلدة البقاعية اللبنانية نهاية الاسبوع وادى الى مقتل سبعة اطفال بينهم 5 اخوة.ومعلوم ان «النصرة» كانت تبنّت تفجير الهرمل (البقاع) الانتحاري الذي وقع في 16 الجاري، فيما اعلن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) مسؤوليته عن التفجير الذي استهدف حارة حريك في الثاني من يناير، في حين تبنت «كتائب عبد الله عزام» تفجير السفارة الايرانية.وشكّل تفجير الامس العمل الارهابي الثامن الذي يضرب لبنان منذ 9 يوليو تاريخ انفجار بئر العبد (الضاحية) والذي تلاه تفجير الرويس (الضاحية) في 15 اغسطس ثم استهداف مسجديْ السلام والتقوى في طرابلس في 32 اغسطس، ثم عملية السفارة الايرانية في بئر حسن فاغتيال القيادي في 14 آذار الوزير السابق محمد شطح في 27 ديسمبر وبعدها تفجير حارة حريك - 2 يناير والهرمل فحارة حريك مجدداً امس.وجاء الانفجار في لحظة دقيقة كان فيها طرفا الصراع يقطعان شوطاً كبيراً نحو تحقيق انفراج في ملف تشكيل الحكومة في محاولة لتحصين الوضع الداخلي في مرحلة اقليمية حساسة وبما ضمن تقطيعها بحد ادنى من «المناعة» الداخلية التي بدت هشة في أعقاب انخراط «حزب الله» عسكرياً في الحرب السورية وبدء الردّ عليه في لبنان.وكما مع كل تفجير، انقسمت القراءة السياسية له بين فريق 14 آذار الذي اعتبر ما جرى في سياق جرّ «حزب الله» كرة النار السورية الى لبنان داعية اياه الى الانسحاب من سوري، وبين قوى 8 آذار ولا سيما «حزب الله» الذي لا يتوانى عن اتهام 14 آذار بتأمين غطاء من خلال هذا المنطق للتكفيريين.وقد استنكر رئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة «التفجير في حارة حريك»، معتبراً انه «بمثابة جريمة ضد الانسانية لانه يستهدف سكانا مدنيين ابرياء». ودعا الى «الوقوف في وجه هذا الاجرام المتنقل والعمل على حماية لبنان وابعاده عن الشرور ومواجهة الارهابيين، وهذا لا يمكن ان يتم الا بوحدة الاهداف وبالتزام لبنان والجهات الاساسية فيه التزاماً كاملاً بسياسة النأي بالنفس عن ويلات المنطقة ومشكلاتها».وأضاف: «لم يكن مبرراً توريط لبنان في الاهوال الجارية من حوله ولم يفت الاوان للخروج من المنزلقات والشرور التي تم التورط فيها».
خارجيات
في المكان نفسه لعملية 2 يناير ... و«جبهة النصرة في لبنان» تعلن تبنّيها
ضربة انتحارية ثانية في الشارع العريض بضاحية بيروت الجنوبية
رجال إطفاء يحاولون إخماد النيران المشتعلة من سيارات في موقع الانفجار أمس (أ ف ب)
03:36 م