رحلة الحياة متشعبة، ومسالكها كثيرة ومتنوعة، الاستاذ عابدين بسيسو مصباح اضاء في سماء العلم حينما درس اللغة الانكليزية، ثم انتقل نور مصباحه في فضاء الاعلام كاتبا ومؤلفا لمئات الاعمال التي قدمت للاذاعة والتلفزيون والمسرح، فلنطلع على لمحات من سيرته.ولد الكاتب والاديب والاعلامي عابدين بسيسو في مسقط اسرته غزة سنة 1929 وكان لاسرته اثر كبير في نشأته، فهي اسرة نبغ كثير من ابنائها في العلم والفكر والشعر والادب والنضال، فجده، ممن رحل إلى تركيا ودرس علم اللغات والالسن كما كانت اكبر مكتبة في غزة تعود لافراد عائلته بسيسو وهو الشيخ خلوص.بدأت دراسته في المدرسة الشجاعية وبها أتم اربع سنوات بعدها التحق في كلية غزة حيث درس بها المرحلة الاعدادية وبعد ذلك توجه للقدس وبها درس المرحلة الثانوية وكانت في كلية النهضة... احدى المدارس المتميزة في فلسطين في تلك الايام...الخادمخلال دراسته في القدس جعل والده عنده خادما يقوم بشؤونه مدة دراسته في القدس والتي استمرت مدة المرحلة الثانوية ولان اسرته ميسورة الحال اتاحت له الدراسة في الجامعة الاميركية في القاهرة وكان ذلك في اواخر الاربعينات.واختار تخصص الادب الانكليزي فدراسته في ثانوية في القدس هيأته لذلك التخصص وكذلك تفوقه في مراحل تعليمه حصل على الاجازة الجامعية سنة 1954.الكويتحين تخرج في الجامعة الاميركية عاد إلى مسقط رأسه وعمل مدرسا للغة الانكليزية فترة وجيزة بعدها انتقل إلى ليبيا حيث كلف بالتدريس في جامعة بني غازي.وسنة 1954 قدم للكويت مدرسا للغة الانكليزية في مدرسة المباركية أولى مدارس الكويت وانتهج منهجا مميزا في تدريس مادته للطلاب حيث جعل المقرر الذي يدرسه على شكل حوار ادبي قصصي حيث ترجم الدروس التي يأخذها الطلبة إلى اللغة العربية وبسطها وكسر حاجز اللغة الانكليزية التي كان الطلبة يشعرون به فلا يشعر الطالب بثقل المادة عندما جعلها بقالب ادبي عبارة عن قصة قصيرة حوارية.وكان الطلبة حين درس عابدين بسيسو في المباركية متفاوتين في العمر لذلك كان يوصل المعلومة لهم بطرق ميسرة وحلوة حيث يجعل الطلبة يستعملون ايديهم في الحركات والاشارة واسلوب حواري بينهم.وبهذا الاسلوب حبب الطلبة في مادة اللغة الانكليزية حيث وجدوا لهم مدرسا يوصل المعلومة بأسلوب سهل ومبسط يجعلهم يتفوقون في الدراسة.النشاطتميز عابدين بسيسو خلال تدرسيه في مدرسة المباركية بقربه من الطلبة لذلك انيط به النشاط المدرسي المتمثل في الاذاعة والأندية الصيفية التي اقامتها ادارة المعارف فكان له اسهامات بها... حيث اسهم في وضع كثير من البرامج على مختلف انشطتها.الجمعةجعل في يوم الجمعة نشاطا تطوعيا له مع طلبة المدارس كان لا يأخذ عليه اجراً بل مساهمة منه لرفع مستوى الطلاب في الانشطة المدرسية والكشفية فهو يوم مفتوح معهم يطلع على اعمالهم الادبية والرياضية والمهنية ويقوّم ما يتطلب ذلك ويوجههم نحو الهدف الاسمى... كان عابدين بسيسو إنسانا يحب العمل والانتاج وتحقيق الاهداف منذ اليوم الأول من عمله سنة 1956 وهو يعمل بمنتهى الجد والنشاط، حتى يوم وفاته 27/ 5/ 1982.الطالبكلف الطلاب الذين كانوا معه في كتابة قصة قصيرة تكون هادفة وتلامس الواقع فاستجاب له الطلاب حيث ارشدهم إلى قواعد القصة القصيرة وكيف تكون المقدمة. ثم الدخول للموضوع تم عقده القصة بعدها الحل والخاتمة وبينما هو يتابع عمل الطلاب جاءه احد الطلبة معتذرا ويقول لا استطيع القيام بهذا التكليف فليس عندي استطاعة واخذ يحاول في الاستاذ عابدين ان يعفيه من هذا النشاط لكن الاستاذ عابدين رفض ذلك واخذ يحاوره لكي يعرف منه السبب فقال: ليس عندي قدرة على الكتابة فرد عليه: انت حاول ثم حاول وسوف تعرف هل عندك قدرة ام لا؟ ثم اخذ بعد ذلك يحفزه وتطرق إلى الجوانب التشجيعية ويبسط له قواعد كتابة القصة القصيرة وسهل الامر على ذلك الطالب ثم قال له: اذهب واكتب وكلما كتبت أتِ به الي وفعلا بدأ ذلك يأتي بما يكتب والاستاذ عابدين يقوّم ما كتب ويوجه الى ما هو افضل حتى اتم ذلك العمل ومكافأة له وتشجيعه على الاستمرارية جعل الطلاب يقومون بتثميل تلك القصة.التلاميذخلال تدريسه في المباركية درس كثيرا من الطلبة الذين تبوأوا مناصب في الدولة منهم الوزير يعقوب الغنيم وعبدالعزيز الزبن.الكشافةالكشافة كما هو معلوم حركة شبابية تطوعية تهدف الى تنمية الشباب والاجيال بدنيا وثقافيا فيها كسب المفاهيم وتنمية الميول وحين التحاق الاستاذ عابدين مدرسا في المعارف اختير لكي يكون مشرفا ومسؤولا عن الفريق الكشفي في مدرسة المباركية وهذا يلزم استقطاع جزء كبير من وقته لكي يقوم باعداد فريق كشفي مميزا حيث عرف الطلاب ما تهدف له الحركة الكشفية من امور تربوية لذلك تميز طلاب مدرسة المباركية في المعسكر الكشفي السنوي الذي كانت تقيمه ادارة المعارف في منطقة الفنيطيس انذاك ويحضر رئيس المعارف الشيخ عبدالله الجابر وظل مسؤولا عن فريق الكشافة طيلة عمله مدرسا في مدرسة المباركية.الأولحينما كان رئيسا لقسم الاذاعة المدرسية 1968 كلف بأعمال المهرجان الثقافي الاول والذي نظمته الوزارة لطلبة وطالبات المرحلة الثانوية فكان عملا مميزا وله اثر في نجاحه.موهبة الكتابةموهبة الكتابة ظهرت عليه منذ صغره وصقلها في القراءة والكتابة وحين تأسس النشاط المدرسي سنة 1960 في ادارة المعارف اختير الاستاذ عابدين بسيسو وعبدالوهاب الزواوي وعبدالسلام المصري لهذا النشاط فساهم مع زملائه في تأسيس ذلك القسم الذي اصبح في ما بعد ادارة من اهم ادارات إدارة المعارف وترأس قسم الاذاعة المدرسية فترة طويلة كما اصبح موجها فنيا للانشطة المدرسية واشرف على اعمال كثير من المهرجانات الثقافية التي كانت النشاط المدرسي ينظمها ضمن فعالياته ومن المهرجانات المميزة المهرجان المسرحي الثاني سنة 1970 حيث كان له دور فعال في ذلك العمل.الادبكان الكتاب والقراءة هما رفيقا عابدين بسيسو في حياته فالادب بدأ معه حينما كان طالبا في مراحل دراسية فقرأ ما كتب في الأدب على اختلاف علومه واطلع عليه ومكنه تخصصه في الاطلاع على الادب العالمي وترجمته وكانت ثقافته عالية جدا حيث اطلع على قصص الشعوب وما كتب عنها فعرف الكثير من تاريخها وعادتها وثقافاتها وأدبها فنهمه في القراءة والاطلاع جعلت عنده ثراء علمياً كبيراً الى جانب نشأته في جو علمي من خلال مكانة اسرته.الصحافةكان له كتابة منتظمة للقصة القصيرة يطل بها على القراء بشكل مستمر في كثير من الصحف والمجلات التي كانت تحرص على نشر اعماله التي تميزت بتوصيل رسائل هادفة تربوية وعلاج لمشكلات طارئة فهو وظف الكتابة في القصة القصيرة في هذا الجانب بأسلوب رشيق وقريب من الواقع ويصل بها الي شرائح المجتمع.وترأس عابدين بسيسو الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع الكويت فكان مناضلا بقلمه وحسه ووطنيته وقضيته.الاعلامرحلة عابدين بسيسو مع الاعلام المرئي والمسموع بدأت سنة 1961 حيث دخله كاتبا ومؤلفا للبرامج الاذاعية والتلفزيونية فثقافته ونهمه في القراءة واطلاعه الواسع للادب العالمي وعادات الشعوب انعكس ذلك ايجابيا على اعماله التي قدمها خلال مسيره استمر اكثر من ثلاثين عاما فقلمه كان سيالا كالبحر الهادر لا يجف طوّع الافكار وصاغها بعبارات مجملة ذات معانٍ كبيرة تصل إلى البعيد قبل القريب.... وصف اسلوبه بالسهل الممتنع الذي يحاكي جميع شرائح المجتمع... وما ذلك إلا انعكاس للثقافة العالية التي كان يتمتع بها، جعلت عنده عمقا في الطرح وفنية عالية يظهر ذلك في جميع أعماله الإعلامية.الاذاعةكانت الاذاعة في الماضي القريب هي الوسيلة الرئيسة في المجتمع التي تصل جميع طبقاته وتدخل كل بيت وليس هناك في الماضي وسيلة اعلامية واداة تنافسها فهي الاولى في تلك العقود ادرك عابدين بسيسو ذلك الامر فكان فارس الدراما الاذاعية فهو ادرك أن السمع هو وسيلة المتلقي وفهم ذلك جدا وسبق كتاب زمانه في هذا الامر، فاعتمد على البساطة في الحوار بجمل قصيرة مفهومه للجميع وبحرفية ومهنية عالية ويدلل على هذا مسلسل «الامنيات الثلاثة» الذي قدم في اوائل الستينات.الدفاعكان له تعاون مع التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع من خلال برنامجها حماة الوطن حيث قدم لهم عملا يناسب طبيعة الفرد العسكري ويسلط الضوء على ثقافة الجندي العربي والواجبات التي يقوم بها ومطعم البطولات الاسلامية.الانتيككانت عنده هواية محببة إلى نفسه وهي جمع التحف والانتيك فكل ما سافر إلى دولة اطلع على ما فيها واختار له منها يناسبه وكما عرف عنه اهتمامه في اناقته وهندامه والرقي في التعامل فكان دمث الاخلاق طيب النفس.المسابقةمثل الكويت في مسابقة القصة القصيرة سنة 1965 التي أقيمت في المغرب وحصلت الكويت على المرتبة الثالثة وبتمثيل الكاتب عابدين بسيسو لها وحصل على ساعة مقدمة من لجنة المسابقة على ذلك الترتيب.الاعمالخلال مسيرته قدم ما يقارب من 4 آلاف عمل ما بين الاذاعة والتلفزيون ناهيك عن مشاركات في كثير من الصحف والمجالات والملتقيات كان شعلة من النشاط المتدفق وظف قلمه لقضايا المجتمع الهادف ووصل رسائل تربوية وانتهج اسلوبا مميزا وراقيا بما يقدمه.كانت وفاته في 1982/5/27 وقد قضى طول وقته في مجاله الاعلامي سواء كان في العمل او خارجه.رفيقة الدربرفيقة دربه وأم اولاده ام عاصم (المربية فاطمة علي الكردي) احدى المدرسات والتربويات اللاتي عملن في مدارس الكويت حينما كان يطلق عليها ادارة المعارف بدأت سنة 1957 في مدرسة زينب في منطقة الدعية بعدها تنقلت في عدة مدارس معلمة ومربية في مدة تزيد عن 40 عاما فكانت خير معين لزوجها في حياته وبعد مماته حيث حثت اولادها على مواصلة تعليمهم ووقفت معهم حتى أنهوا تعليمهم الجامعي وتبوأوا مناصب مرموقة في مراكز عملهم.

أمطرت السماء

هذا رثاء من ابنته ايمان في سنة وفاته سنة 1982امطرت السماء... حزناودمعت البحار... ألمالفقدانك يا ابا عاصمكان حلمك الثورة ونضالك الفتحولكن سبقت الايامفارقت اطفالك والدمعةتداعب اعينهميفتقدك الاهل والاحبابويدعون لك بالرحمة والغفراناه... يا اغلى «حبيب»جاء يومك ووكلت حياتك للرحمنوانت مرتاح البالرسالتك في الدنيا فلسطين الثورةكنت مناضلا ومت شهيدامخططاتك اصبحت قدوة للمناضلينفكان قلمك سلاحكفكنت اديبا... فلسطينيااحببت الناس فاحبوكيمتلئ رأسك بالاحلامويمتلئ قلبك بالالامكنت بطلا...كان المرض يمزق احشاء قلبكفكنت اقوىولكن قدرة الله اقوىسينشد باسمك رجال الثورة واطفالكوسيرتفعون عاليايفخرون بمكانة ابيهم وحبهم لهكان...الرئيس... الاديب... المناضلواصبح الشهيدفهذا هو الحوارولكن انتهى المشواريا اغلى ما في الوجودفلعل حبر القلم يصل الى جوف قلبيابنتك المحبة لكدوما وابدا ولن تنساكطيلة الدهر