مدينة الجهراء، إن شئت فقل إقليم الجهراء، نعم هو إقليم حسا بتنامي أطرافه، وإقليم معني بروعة أهله.والحديث عن الجهراء يختلف لأنك ستتكلم عن تاريخ موغل في القدم لبقعة كانت تُعدّ في يوم من الأيام ممراً للقوافل التجارية والدينية.ستتكلم عن قرية كان الناس يفدون إليها لبلوغهم حرارة الحفاوة مع برودة الجو بين المزارع والآبار.واليوم غدت الجهراء مدينة عامرة ما فيها موضع قدم إلا ومجلس قد فتح لك أهله قلوبهم قبل أبوابه، ينادونك من بعيد: ألا هلم يا ذا العمر المديد، فنحن الضيفان، وأنت رب المنزل.ألا فحي الجهراء وساكنيها، ولا أبقى الله ذكراً لمن يعاديها.قال فيها الشاعر بدر صفوق:هي الجهرا... وأحس الروح تتشكل فضا عصفورخذته آخر عزوم بالجناحين الصغـار... وطـارتلفت... لا الجهات اللي حوتـه تعبـره للنـورولا هذا المدى أرقى من شعـورٍ سكنـه وثـارهي الجهرا ورق متقرفط بشاعر يـدور يـدورهي إحساسه، فرحه، ودمعتين بالحنايا كبـاروعند السعيد المجد التليدمن أسر الجهراء الكريمة – وكلهم كرام – التي لها تاريخ عريق أسرة السعيد، وهي إحدى الأسر التي ترجع في نسبها إلى المشارفة من آل ريس من الوهبة من بني تميم، وقد قدمت الأسرة من موطنها أوشيقر في نجد واستقرت في الكويت، ثم توارث أبناؤها الطيب في مجالسهم ومناصبهم.نص الوثيقةالحمد الله سبحانهأقر عثمان ابن عبداللطيف بن سعيد في صحة من عقله وبدنه وجواز تصرفه بأنه باع على عبدالله بن عثمان أبا حسين نصيبه في فيد آل عزام، وهو نصف مغارس الجنوبي وفيد صقر وهن مشهورات نصيب آل ابن سعيد في جنوبي فيد آل عزام شهره تغني عن نعته، وأيضا نصيبه في النبتة التي في علو فيد آل عزام تبع المبيع، باع عثمان ما ذكرنا على عبدالله المذكور بثمن معلوم بلغة البايع من المشتري والبيع المذكور والبيع المذكور بجميع حقوقه الداخلية فيه والخارجة منه في ماء وسيل وطريق، وأيضا أقر عثمان بن سعيد المذكور أنه باع على عبدالله ابا حسين نصيبه في شمالي فيد ابن صياح وهو ربع اثنتي عشر نخلة نصيب العامل بثمن معلوم بلغه بكماله وبريت ذمة المشتري منه، وجميع ملك عثمان بن سعيد المذكور صدر الورقة مشربه من بير العلي. هكذا أقر عثمان المذكور أنه باع على عبدالله ابا حسين ما ذكرنا وهو يومئذ صحيح العقل والبدن وجايز التصرف. شهد على ذلك من أوله إلى آخره عبدالله ابن سليمان ابن مسند وعثمان ابن محمد أبا حسين سنة 1273، وصلى الله على محمد وآله وسلم.وثيقة قيمة في الموطن الأصلي لأسرة السعيدهذه الوثيقة تحكي مبايعة تمت بين جد أسرة السعيد عثمان بن سعيد وعبد الله بن عثمان أبا حسين، وكلاهما من الوهبة من بني تميم، وأبا حسين لقب للأسرة أي أبو حسين لكن لزم البناء على الألف في أحوال الإعراب كعادة بعض الأسر مثل أبا الخيل.وقد شهد على المبايعة عبد الله بن سليمان بن مسند وعمته نورة بنت سليمان بن مسند متزوجة من البائع عثمان بن سعيد، والمسند أهل أوشيقر من الوهبة من بني تميم، وهم غير المسند أهل بريدة وهم من الحبلان من عنزة، ومنهم الشيخ عبد العزيز المسند – رحمه الله.«السعيد» يتركون أوشيقرإلى الكويتيعتبر عبد الرحمن بن سعيد هو مؤسس قرية الجهراء، وقد ولد رحمه الله في بلدته التي قدم منها (أوشيقر) في نجد في المملكة العربية السعودية، وقد هاجر إلى الكويت يرافقه إخوته سليمان وعبدالله وراشد، وكان ذلك حوالي العام 1852 م، وقد قال أبياتاً من الشعر بعد هجرته من بلدته أوشيقر حصلت على ثلاثة أبيات منها ذكرها لي عبدالله المسند رحمه الله حيث يذكر أن عبدالرحمن بن سعيد زوج عمته يقول:رحت عن دار أبوي ودار جديحدن الضيم والعيشه رديةرحت عنها ولو ماهو بوديرحت عنها وأنا روحي معيهأربع اسنين لو عنها نعديميت القلب عنها واهنيهوكان - رحمه الله - قد تزوج قبل أن يأتي إلى الكويت من عائلة المسند ورزق من زوجته بولد اسمه صالح.رضيع يسقط من حضن أمهفي رحلة الهجرة إلى الكويت!يقول السيد متعب بن عثمان السعيد: «يحكى أنه في طريقهم من نجد إلى الكويت حيث كانوا على الجمال وأثناء السير نامت زوجته نورة المسند لثوان فوقع الطفل صالح من حضن أمه، فلما أحست الأم بوقوع طفلها صاحت وقالت لزوجها: عبدالرحمن: ابنك وقع مني دون علمي نريد الرجوع إليه، وكانوا قد ابتعدوا عنه مسافة ليست بالقصيرة فقال لها: خليه يولي أنا خليت الجنينة ما هو عاد ولد يبي يجيني غيره»!وبالمناسبة الجنينة هي مزرعة بأوشقير في نجد بالمملكة العربية السعودية ترجع ملكيتها لعثمان بن عبداللطيف بن سعيد والد الأمير عبدالرحمن وجد آل سعيد الموجودين في الكويت ما زالت موجودة إلى الآن بأوشقير وتسمى (جنينة ابن سعيد)، وقد قالت إحدى نساء السعيد وهي هيا بنت عبدالله السعيد عندما شاهدت النخيل وقد أهمل بعد وفاة والدها الذي كان يعتني به في حياته:وقفت في باب الجنينه من البينولاردها كود الغرايس عليهوراك ياحدب الجرايد تبكينوهالسنة وراء عثوقك رديةتقول ياخبلك غدا من يسقينمن يوم ماحطوا على الشيخ طيهوراك من جم العلا ماتسقينويحط لك فرع على عيلميةقالت غدا منهو من أول يحاظينوهلت دموع العين غصب عليهوالمراد أخذت أمه تبكي عليه والأب لا يهمه ذلك ولكن عم الطفل سليمان - رحمه الله - رجع ووجد الطفل وقد وقع على الرمال ولم يصب بأذى حيث إنه قد لف بالقماش والأرض التي وقع عليها كانت رملية، فأخذه ولحق بهم وسلمه لأمه التي كانت قد أشرفت على الموت بسبب ولدها.السعيد أمراء على الجهراءوعندما وصلوا إلى الكويت واستقر بهم المقام في منطقة قبلة، واشتروا لهم بيتاً هناك انتقلت ملكيته في ما بعد إلى عائلة التمار بعد أن انتقل عبد الرحمن سعيد وإخوته إلى الجهراء التي كانت عبارة عن مجموعه من الآبار يجمتع عليها البدو في الصيف ويتركونها في الشتاء، وكان يطلق عليها اسم (جو الحربيين) ثم اسم (تيما) ثم اسم (الجوهرة) وأخيراً (الجهراء) والتي تسلم عبدالرحمن بن سعيد إمارتها بأمر من حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله بن صباح – رحمه الله - من العام 1813م إلى العام 1859م.والكلام على السعيد وشخصياتهم يطول، وأعلم يقيناً لو ذكرت أحداً سأغفل نسياناً آخرين، وطيبهم يغني عن ذكرهم هنا، وليت أحداً من أبناء هذه الأسرة الكريمة ينشط في جمع المتناثر من أخبارهم ووثائقهم وصورهم، وإدراك كبار السن لتدوين ما تحويه الصدور قبل أن يطويه النسيان، أو وداع الإنسان.