كانوا معارضة كما كان يطلق عليهم قبل عقود... فأصبح جزء كبير منهم فداوية...!أُطلق عليهم (التيار الوطني) كوصف براق لصك الهوية وتجميل تشوهات القبح السياسي!بدأت مسيرتهم وطنية شبابية إصلاحية رائعة فإذا بها تنحرف عن مقصودها بعد استغلال ذوي المال عفتها ونجاحاتها فرموها على قارعة الطريق وتركوها كفتاة الليل يعبث بها ذوو الملايين كلما دعت الحاجة الى ذلك!كانت اكثر من يصرخ بالأمة حول الديموقراطية وحرية الرأي وكرامة الانسان فإذا بها اكثر من يدوس ببطنها اذا خالفت نهجهم ومصالحهم المرتبطة مع ذوي النفوذ!وبعد أن أخذوا ما أرادوا وانكشفت سوأتهم، وبعد ان انفضت القواعد الشبابية عنهم... رفعوا شعار (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)!فدخلوا في الطاعة... وشاركوا... في التشكيلات الحكومية... والتي كانت قبل ذلك في نظرهم وصمة عار وسبة نيابية!وحين سألت احدهم قال لي مرددا مقولة زمن النكسة (لازم نطاطي نطاطي نطاطي... عشان نعلى ونعلى ونعلى...)!، في إشارة منه إلى أهمية النفاق السياسي وخدعة الجماهير...!، ولا ضير في ذلك فالبلد بلدنا والحكومة حكومتنا... والعمل معها لخدمة الوطن أمر لا عيب فيه... لكن أن يظل شعار المعارضة مرفوعا... فهذه تحتاج الى مراجعة!وليس معنى كلامي ان الصورة كلها قاتمة في اتهام التيار الليبرالي بل هو من قبيل النقد البناء الذي نظن وجود من يقبله من ابناء هذا التيار رغم محاولات ابعادهم عن إرادة التغيير داخله!ان مكانة هذا التيار الوطني الذي كان يقود عمليات الاصلاح السياسي منذ المجلس التأسيسي قد تحول بقياداته الى الحضن الدافئ ليفوز بموقع اقل من فداوية القبيلة التي تحولت على النقيض بسبب وعي ابنائها الى مواقع الاصلاح والمعارضة...!انظر مثلا الى ترجمة احد نواب الحكومة ذلك عمليا وهو الذي باع كل شيء لرضاها مقابل (كرسي الرياسة) وليتحول بعد انتهاء دوره الى خط المعارضة داعيا قبل فوات الأوان الى تشكيل تيار وطني!لكن فكرة التحول لمعسكر المعارضة بعد التلوث بوحل العطايا، وممارسة البغاء السياسي هي أشبه بالتوبة ناقصة الشروط!، وليت شعري كيف تتقاعس قواعد النواب الليبرالية الشبابية مسؤولية المحاسبة وتسير كالقطعان دون معرفة لأسباب تلك التحولات!أليس ما فجرته إحدى النائبات عن الفساد المالي والإداري للدولة وسردها أمثلة (نكسة مجموعة جابر) استاد ومستشفى وجسر جابر... ومحطات الكهرباء وفيلكا وأزمة المرور والسكن والتعليم... دليلاً على اعادة مشهد المعارضة بثوب مزركش عار!ما الفرق بينها وبين المشكلات ذاتها التي اثارها نواب كتلة الغالبية سابقا...!، فهل تغيرت المواقف؟ ام سرقت الأدوار؟ ام انه جزء من المفهوم الكنسي للخلاص والتحرر من عقدة الذنب وعبادة الاعتراف الدافئة التي أضحت وصمة عار في جبين نواب العطايا الحكومية...؟****مصطلح الموالاة والمعارضة في القاموس السياسي تراوح حسب المزاج العام للسلطة... وخضع للضغوط الاجتماعية وتداعيات المرحلة... ولم ينطلق أصلا من مشاريع تنمية او برامج نهضة كما هو في الدول الديموقراطية... وللإنصاف فإن القبيلة أيضاً؛ والتي كانت في الأحضان الدافئة طيلة فترة الثمانينات والتسعينات، بما حققته من مزايا شخصية قبائلية لفئات معينة؛ كانت على حساب مبادئها وشعاراتها، وحين أدرك أبناؤها هذا الابتزاز، وبعد عودة الوعي من حالة التوهان والتيه في بيداء العمل السياسي الوطني؛ رفع أبناؤها شعار (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)!! ولا لنواب الخدمات...!وأنت تتعجب كثيراً من طرح البعض الذي ينطلق تبعا لرغيف الخبز وتموين الجمعيات...!، فإن أسبغت عليه الحكومة من طعامها ومنافعها سبح بحمدها وهلل... وإلا استمر في نقده ومعارضته...!أولئك الذين يأكلون ويتمتعون كالأنعام... والذين لا يحملون قناعات وأفكارا إنما يهلكون مستقبل أبنائهم وهم لا يشعرون!****مفهوم الإصلاح تغير عند الكثيرين؛ فلم يعد إنجاز معاملة أو تقديم خدمة أو حتى استجواب وزير!لقد تجاوز الفهم السطحي العام الى أبعاد الإصلاح الشامل الذي ينطلق دستوريا نحو إصلاح الدولة سياسيا ودستوريا وتشريعيا ببرامجها ومشاريعها المنهجية...نعم هي صحوة متأخرة لكنها أفرزت نوابا من الوزن الثقيل شكلوا بمجموعهم كتلة المعارضة... ليتحولوا من النقيض الى النقيض... واليوم بعد الوفرة المالية التي تصل الى 13 مليار دينار...!وبعد مشاهدات مخزية أضحت واضحة في شراء الذمم وفساد ادارة أموال الدولة وسذاجة الدراسات الاقتصادية وجدواها مثلما حدث في الداو واستاد جابر وغيرهما؛ اصبح حقاً علينا المطالبة بثورة دستورية تشريعية تقتلع نصوص الفساد الحكومي والنيابي على حد سواء!اخيراً نريد ان نكون كلنا وطنيين في مواجهة الفساد دون احتكار اي تكتل للهوية الوطنية الإصلاحية... فلا يوجد تيار او قوة سياسية في الكويت تحتكر الاصلاح في نهجها ورموزها...لكن بمجموع تلك القوى ومصداقيتها تدك أوكار الفساد وتقتلع جذوره...«ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا...».
مقالات
د. مبارك الذروة / رواق الفكر
كل شيء مقلوب
11:02 م