يذكر الكاتب الأميركي الشهير «توماس فريدمان» في مقال له في جريدة الشرق الأوسط بأنه قد عاد للتو من الهند التي احتفلت بذكرى نظامها الديموقراطي الستين، بينما باكستان التي تجاورها تعيش حالة التفكك. نعم الشعب واحد وأبناؤه يأكلون الطعام نفسه ويشبهون بعضهم البعض ويرتدون ملابس متشابهة، لكن هنالك فرقا واحدا: للهند ثقافة التعدد، والهند تحتفل أيضا بألفية التنوع الثقافي والديني فيها بما فيها فترة الحكم المسلم.ثم يذكر فريدمان بأن المبدأ السياسي القائم في العالم العربي - الاسلامي هو «السلطة أو الموت» فإما أن تكون مجموعتي في الحكم أو أن أقتل أو أسجن أو أمضي إلى المنفى، والديموقراطية هي ليست حول حكم الأغلبية بل حول حقوق الأقلية، ويقرر بأن العالم - العربي المسلم - سيمر بمرحلة صراع الأفكار نفسها التي سادت في أوروبا وأميركا من قبل إلى أن يتوصل في النهاية إلى احترام التنوع والتعدد.ما يجري في باكستان ولبنان اليوم هو دليل دامغ على تغلغل مفهوم «السلطة أو الموت» وعلى نسف احترام التنوع والتعدد.ستون عاماً منذ قاد المسلمون ثورتهم الانفصالية عن الهند وضحوا بمئات الآلاف، ليقيموا دولتهم الاسلامية في باكستان، ثم ما لبثت تلك الدولة ان انشطرت إلى بنغلاديش وباكستان، وبينما تعاون الهنود لإقامة دولة تعددية موحدة ما لبثت ان أصبحت من أكثر دول العالم قوة وتقدما، فإن باكستان وبنغلاديش قد خاضتا سلسلة من الانتكاسات والانقلابات، وتدخل العسكر في كثير من الأحيان لينقلب على النظام الدستوري الذي يعتبر الأسوأ في العالم تطبيقا، وما زلنا نشاهد تسلط العسكر والاضطرابات اليومية والاضطرابات العرقية والطائفية، ولم تجن باكستان من طموحها الاسلامي إلا الفوضى والدمار.أما لبنان، ذلك البلد الذي كان مثالا يحتذى في العالم العربي فقد تحول الى مشروع لثقافة التعدد المميتة، وأتعجب من شعبه كيف يرضى أن يتحول بلده الى وكر للقلاقل والاضطرابات بسبب اصرار كل طرف فيه على ان الحكم يجب ان يؤول اليه؟!باكستان ولبنان لديهما أفضل الدساتير والقوانين، ولكن ديموقراطية احترام التنوع والتعدد وديموقراطية حقوق الأقلية قد اختفت من قواميسهما وحلت محلها ديموقراطية «السلطة أو الموت»!!ويتساءل العاقلون من الناس: وهل إذا انتهت المنازعات في باكستان ولبنان وفازت الأطراف المعارضة: حزب بنازير بوتو وحزب الله اللبناني، هل ستتحسن أحوال تلك الشعوب التي جربتهم سابقا أم ستحل محلها ديموقراطية «السلطة والموت»؟!

د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com