بفارق ستة ايام فقط، كان لبنان على موعد مع إنفجاريْن في «حرب مفتوحة»... واحد من جرائم «الإغتيال السياسي» الذي دهم البلاد منذ العام 2005 وسقطت ضحيته شخصية مرموقة من قوى «14 اذار» هي الوزير السابق محمد شطح، وآخر من النوع «الانتحاري» الذي يباغت لبنان منذ اشتداد الحرب في سورية، واستهدف حارة حريك في قلب معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.وبدا ان التفجير الارهابي، الذي ضرب اول من امس في حارة حريك وأودى بحياة خمسة اشخاص وجرح نحو 80 آخرين، كأنه طوى جريمة اغتيال شطح التي وقعت يوم الجمعة الماضي في محلة ستاركو في وسط بيروت وأدت الى مصرع سبعة آخرين من المدنيين... فها هي «العدسة» اللبنانية المفتوحة الشهية على الدم تنتقل من مكان الى مكان، من مكيدة الى مأساة، من عنوان في السياسة الى عنوان في الأمن.عندما إغتيل الوزير شطح، إنبرت قوى «14 اذار» الى إتهام «حزب الله» بإرتكاب الجريمة، «خدمة لمشروعه في إحكام القبضة على لبنان في إطار المشروع الاقليمي الذي تقوده ايران»، وطالبت رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام بالإسراع في تشكيل «حكومة حيادية»، وصفها رئيس البرلمان نبيه بري (شريك حزب الله) بحكومة «عزل حزب الله».وعندما دوى إنفجار حارة حريك، عمدت المنابر الاعلامية لـ «حزب الله» الى إتهام «14 اذار» بالتواطؤ مع «التكفيريين» وتوفير البيئة الحاضنة لـ «الإنتحاريين»، خدمة لمشروع المملكة العربية السعودية في المنطقة، وخرجت «8 اذار» بخطاب واحد يقول ان تفويت الفرصة على «خراب البلاد» يكون بتشكيل حكومة سياسية جامعة، ترفضها «14 اذار» لأنها تشكل تغطية لتورط «حزب الله» في سورية.وإذا كانت المؤشرات التي أعقبت «اصطياد» شطح رجحت إمكان تشكيل الحكومة الحيادية في السابع او الثامن من هذا الشهر، فإن المعطيات التي تكونت من خلف دخان إنفجار حارة حريك، عكست تريثاً من الرئيسين سليمان وسلام من شأنه على الأرجح ارجاء الإعلان عن الحكومة الجديدة، التي دخلت مجدداً دائرة الغموض، رغم الإعتقاد بأنها لن تحيد عن حياديتها.ومع الانفجار الرابع الذي يضرب الضاحية الجنوبية في ستة اشهر (بعد تفجيريْ بئر العبد والرويس ثم تفجير السفار الايرانية في بئر حسن)، تظهّر الانشطار السياسي وفق الآتي:* اعتبار الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في معرض إدانته الجريمة انها من نتائج تورط «حزب الله» في الحرب السورية اذ اعلن ان «الإرهاب الذي يستهدف المدنيين والابرياء والمناطق الآمنة ينتسب بالتأكيد الى أفعال شيطانية هدفها القتل المجاني»، لافتاً الى ان «المواطنين الأبرياء في الضاحية هم ضحية جرائم إرهابية وإجرامية تستهدفهم منذ أشهر، وهم في الوقت عينه ضحية التورط في حروب خارجية، وفي الحرب السورية خصوصاَ، التي لن يكون للبنان ولأبناء الضاحية تحديداَ اي مصلحة في تغطيتها او المشاركة فيها».* اعلان نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ان «الاستهداف الاجرامي هو للبنان ولضرب استقراره، ولا قيمة ولا اهمية للجهة المنفذة فهي جهة خرقاء ومأجورة، انما الاهمية للمشروع المتكامل الذي يريد تخريب البلد واشعال الفتنة وصرف الانظار عن اسرائيل». واذ رفض «تراشق الاتهامات مع احد»، حذر من ان «مخطط الاجرام سيؤدي الى ان يشرب الجميع من هذه الكأس المرة». وخلص الى ان «الرد هو بالتفاهم السياسي والمسارعة الى تشكيل حكومة للوحدة الوطنية».* دعوة النائب وليد جنبلاط، «الوسطي»، الى توافر «الحد الادنى من الخطاب اللائق لتلافي مزيد من الدماء»، معلناً انه مع تشكيل حكومة تشمل جميع الافرقاء، ولن اعطي اي ثقة لاي حكومة تستثني اي فريق». واضاف: «لا بد من حكومة تحاول اخراج العناصر اللبنانية التي تقاتل في سورية لنحاول ان نحمي لبنان».ووسط هذا المناخ، شخصت الأنظار على موقع التفجير في محلة حارة حريك وتحديداً الشارع العريض على بُعد نحو 200 متر من مقر المجلس السياسي لـ «حزب الله» وقرب المبنى القديم لتلفزيون «المنار». علماً ان نقطة التفجير تتقاطع مع محلة بئر العبد التي كانت شهدت في 9 يوليو الماضي اول انفجار يستهدف الضاحية وقد وقع في مرآب للسيارات وادى لجرح نحو 50 شخصاً.وتتمحور التحقيقات في الجريمة، وهي الانتحارية الثانية من نوعها في نحو شهر ونصف تستهدف الضاحية بعد التفجير المزدوج امام السفارة الايرانية في بئر حسن في 19 نوفمبر الماضي، حول نقطتيْن:* منفذ العملية ولا سيما بعد العثور في مسرح الجريمة على اخراج قيد فردي باسم الشاب قتيبة محمد الصاطم (مواليد اول اغسطس 1994) من وادي خالد في شمال لبنان، وذلك غداة الشهبات التي ارتسمت حول وجود عمل انتحاري بعدما وجدت أشلاء بشرية داخل السيارة المفخخة التي رُكنت «صفاً ثانياً» قرب مبنى كزما. وقد نقلت سيارة للشرطة العسكرية امس إلى مستشفى بهمن أشلاء الانتحاري المفترض التي تظهر الجزء العلوي من جسده وبعض ملامح وجهه والرأس فيما بدأ التحقيق مع والده الذي كان افاد باختفائه في 30 ديسمبر وأخذت منه عينات لإخضاعها لفحوص الحمض النووي الريبي بغية حسم هوية الشاب الذي وُجدت جثته في السيارة.* السيارة الرباعية الدفع نوع «غراند شيروكي» زيتية التي استُخدمت في التفجير بعدما تم تفخيهها بنحو 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة.وفي هذا السياق كان بارزاً كشْف وزير الداخلية مروان شربل ان هذه السيارة لم تُستخدم فيها لوحة مزورة ولا تم التلاعب برقم الشاسي العائد لها، مؤكداً ان مواصفات هذه السيارة كانت عُممت على الاجهزة الامنية قبل نحو 12 يوماً، الا انها «اختفت»، واضعاً استخدام سيارة دون تزوير أوراقها على ما ساد في كل التفجيرات الاخرى الى «وقاحة القاتل».وفيما اشارت تقارير الى ان العبوة الصغيرة نسبياً كانت موزعة وموضبة في أبواب السيارة وذلك تفادياً لتوقيف السائق على أحد الحواجز الأمنية وتفتيش الصندوق، لفتت معلومات الى ان هذه السيارة تعود في الاساس إلى المواطنة هلا مصطفى عثمان، من بلدة رأس العين (البقاع)، التي باعتها الى شخص من عرسال يدعى سامي الحجيري باعها بدوره الى شخص من بلدة القاع وأن الأخير أفاد أن السيارة سرقت منه قبل سبعة اشهر، علماً ان معلومات اخرى لفتت الى انه باعها لاشخاص من المعارضة السورية. وقد سلّم الحجيري نفسه الى مخابرات الجيش في رأس بعلبك وفي حوزته المستندات التي تؤكد انه باع السيارة في وقت سابق.وفي حين ربطت بعض وسائل الاعلام القريبة من 8 آذار بين السيارة وبلدة عرسال، تحدثت تقارير اخرى عن ان السيارة دخلت سورية وتمّ تفخيخها في إحدى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وليس في عرسال.
خارجيات
تركيز على السيارة المفخخة وهوية الانتحاري المفترض
احتقان في لبنان ووزير الداخلية يصف المفّجر بـ «الوقح»
دمار في موقع التفجير في حارة حريك (أ ب)
01:12 م