بدت بيروت، وهي تودع سنة وتستقبل أخرى، كأنها مدينة «تلفظ انفاسها»، فالعاصمة اللبنانية التي كانت حتى الامس القريب «الوجهة السياحية الاولى» في المنطقة يغزوها الموت البطيء... فثمة من يريد قتل الحياة فيها بدم بارد، ولم يكن ادل على ذلك من جريمة اغتيال «جنتلمان» السياسة محمد شطح قبل خمسة ايام من استقبال الـ2014.ليل بيروت في الساعة صفر بين 2013 و2014 نكس انواره، ووسط المدينة الذي تعود استقبال «طوفان ناس» من المقيمين والزائرين في مثل هذه المناسبات، بدا في «حداد» ليس على شطح، الذي غدرت به مافيوية القتل، بل على لبنان عينه. فالغالبية الساحقة من اللبنانيين ينتابهم الشعور بأنهم صاروا «وقوداً» في «وليمة نار» لا ترحم.دخان كثير في الأفق اللبناني يؤشر الى حرائق سياسية وغير سياسية آتية، وسط اشتباك يومي حول جميع العناوين، من المرجح ان يزداد ضراوة في الايام القليلة المقبلة الفاصلة عن تشكيل حكومة جديدة، من المتوقع ان ترى النور في الاسبوع المقبل، وبعد نحو عشرة اشهر من المساعي التي كانت تراوح مكانها بسبب «صدام الخيارات» بين طرفي الصراع «8 و 14 آذار».فالثابت ان ثمة «روزنامة» من المواعيد والاخطار دفعت رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام الى حسم خيارهما في اتجاه تشكيل حكومة مصغرة من الحياديين غير الحزبيين، الذين يتمتعون بصدقية وطنية وبخبرات عالية وباحترام من الجميع، اي من الذين ينطبق عليهم «قامات وطنية ورجال دولة»، وتالياً غير مستفزين على المستوى الشخصي والسياسي.وثمة من يعتقد في بيروت ان موعد الاعلان عن «الولادة القيصرية» للحكومة الحيادية يأخذ في الاعتبار الحاجة الى وجود حكومة جديدة في البلاد قبل انعقاد مؤتمر المانحين في الكويت في 15 الشهر الجاري، ومؤتمر «جنيف – 2» حول سورية في 22 منه، ويأخذ في الاعتبار ايضاً مواعيد اعداد البيان الوزاري للحكومة الجديدة ومثولها امام البرلمان لنيل الثقة قبل حلول موعد الاستحقاق الرئاسي بين 25 مارس و25 مايو المقبلين.واذا كانت بعض الاوساط ادرجت ما وصفته بـ «استعجال» تشكيل الحكومة، رغم مرور عشرة اشهر على المساعي لتأليفها، بقطع الطريق على وزير الخارجية الحالي، المحسوب على حلفاء النظام السوري في لبنان، من تمثيل لبنان في مؤتمر «جنيف -2»، او تسديد «فاتورة سياسية» للسعودية بعد اقرارها هبة تسليح الجيش اللبناني قيمتها ثلاثة مليارات دولار، فان اوساطاً اخرى رأت في قرب الاعلان عن الحكومة الجديدة خطوة دستورية في الاتجاه الصحيح، تجنباً لعملية مبرمجة في تعميم الفراغ في لبنان لاسقاطه بيد «حزب الله» في نهاية المطاف.والأكيد ان حكومة من هذا النوع (حيادية) ستحظى بدعم قوى «14 آذار» التي اعلنت منذ البدء رفضها اشراك «حزب الله» في اي حكومة بسبب تورطه في الصراع العسكري في سورية من جهة، وستكون هدفاً لـ «حرب سياسية» من «8 آذار» التي نجحت في استمالة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الى مطالبها تشكيل حكومة سياسية جامعة.ورأت اوساط واسعة الاطلاع في بيروت ان قوى «8 آذار» في صدد وضع سيناريو استباقي للتخلص من حكومة سلام الحيادية، ومن المرجح ان تبقى خطواتها المتوقعة «طي الكتمان» تفادياً لتعطيل عامل «المباغتة» في خطتها للرد على ادارة الظهر لها.وشككت هذه الاوساط بما يشاع عن خطوات تعد لها «8 آذار»، ومن بينها لجوء رئيس البرلمان نبيه بري الى عدم فتح ابواب مجلس النواب لمثول الحكومة لنيل الثقة، او الطلب من «الوزراء الشيعة» الانسحاب لافقاد الحكومة ميثاقيتها او بعصيان وزراء الحكومة الحالية وعدم تسليمهم وزاراتهم.واذا لم تشأ هذه الاوساط الافصاح عن «الورقة المستورة» التي تخفيها في سياق خطة الرد على قيام حكومة حيادية، فانها اكدت على مسألتين على جانب من الاهمية، هما: عدم رفع «الرايات البيض» امام خطوة سليمان – سلام المدعومة من «14 آذار» وحلفائهم الاقليميين، وعدم القيام بأي ردود ذات طابع انقلابي او عنفي.وثمة من يعتقد في بيروت ان الحكومة الحيادية المزمع الاعلان عنها تشكل ضربة موجعة لـ «حزب الله» وحلفائه، كونها تطيح باهم انجازين حققهما الحزب منذ خروج الجيش السوري من لبنان، هما: امساكه بالثلث المعطل داخل الحكومات، لا سيما بعدما كسر وبالقوة التوازن السياسي في البلاد إثر عمليته العسكرية في 7 مايو 2008، وانتزاعه «شرعنة» سلاحه من خلال فرض تضمين اي بيان وزاري لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».وبهذا المعنى فان «حزب الله»، الذي يحرص على اظهار نفسه كمنتصر، استناداً الى دوره العسكري في قلب موازين القوى في الحرب السورية وقدرته على التحكم بالمسار السياسي والامني في لبنان، لن يسلم بسهولة بانتزاع انجازين اتاحا له الامساك بالامرة السياسية في الحكومات اللبنانية في الاعوام الاخيرة.واذا كانت الاوساط السياسية منشغلة في ترقب رد «حزب الله» وطبيعته، فانه من المؤكد ان لبنان تحول مسرحاً لـ«صراع الفيلة» مع احتدام الحرب الاقليمية من حوله، خصوصاً ان الاحتضان السعودي – الفرنسي له عبر الهبة المقرة لتسليح الجيش ومحاولة ضمان اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتجنيب «الرئاسية» اللبنانية «الفراغ»، يوحي بان المنازلات دخلت مرحلة جديدة اكثر حماوة وضراوة.
خارجيات
شبح الصدام يخيّم على لبنان مع بدء العد التنازلي لإعلان الحكومة الحيادية
لبنانيون في وسط بيروت يستقبلون العام الجديد بالألعاب النارية (أ ف ب)
12:23 م