مع ان نجاة لبنان من حرب أهلية كانت تشكل احتمالاً مفزعاً وحقيقياً في السنة المنصرمة يُعدّ الإنجاز الذي لا يمكن إنكاره ضمن اي جردة موضوعية لأحداث العام 2013 في لبنان، فان ذلك لا يخفف في المقابل من خطورة الوضع الذي بلغه المشهد الداخلي اللبناني مع بداية 2014 مما يبقي هاجس الاضطرابات الأمنية ماثلاً بأقوى من السابق.والساعات الاخيرة من السنة الراحلة بدت في ذاتها كفيلة بتشكيل صورة مختصرة عن الأزمات التي واجهت لبنان خلالها وتلك التي ستواجهه فور انتهاء اللبنانيين من الاحتفال بالسنة الجديدة.وقد أثبت المناخ الصِدامي المستجدّ ان الاشتباك الكبير حول تشكيل الحكومة الجديدة قد بدأ فعلاً وان الفترة الفاصلة عن العاشر من يناير كأقصى حد قد وضعه رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام لاستيلاد التشكيلة الحكومية الجديدة ستكون حافلة بحبس الأنفاس لترقب طبيعة الحكومة وما يمكن ان تكون عليه ردود فعل الافرقاء السياسيين منها.وتتركز الانظار بصورة خاصة على استكشاف ما يتحضر له فريق 8 آذار من خطوات وسط انهيال الرسائل التحذيرية التي يطلقها هذا الفريق ولا سيما منه «حزب الله» مما يسميه تشكيل حكومة امر واقع يتهم السعودية بإضاءة الضوء الاخضر لرئيس الجمهورية وفريق 14 آذار بالمضي الى تشكيلها كعنوان صدامي مع حلفاء النظام السوري وايران في لبنان وكخطوة استباقية لمؤتمر «جنيف -2» حول سورية ولضمان وجود وفد لبناني غير منحاز للنظام السوري.ويقول مصدر مواكب للمشاورات السياسية التي لم تنقطع في اليوم الاخير من السنة لـ «الراي» ان سليمان وسلام بديا في اليومين الاخيرين كأنهما قررا عدم التوقف عند اي محاولة ترهيبية لتعطيل عملية تشكيل الحكومة وخصوصاً ان القرار المتخذ ببت التشكيل يراعي سريان المهل الزمنية التي ضاقت جداً مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي. واذا كان سلام يعد تركيبة حيادية لا تستفز اي فريق، فانه وسليمان تحسبا تماماً لكل الاحتمالات التي يمكن ان تنشأ عن رفض فريق 8 آذار للتركيبة الحكومية وكذلك لاحتمال اي موقف سلبي للنائب وليد جنبلاط منها. وهو الأمر الذي يفسر استعجال التشكيلة في الايام العشرة الاولى من الشهر الجاري تحسباً لعدم نيل الحكومة الغالبية الكافية لنيلها ثقة مجلس النواب وتالياً اعادة اجراء استشارات جديدة للتكليف والتشكيل قبل حلول 25 مارس موعد بدء المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية والتي يتحول خلالها البرلمان هيئة ناخبة، علماً ان تقارير لم تستبعد تشكيل حكومة تضم اسماء تكنوقراط حزبية ويحصل فيها الوزراء غير البعيدين عن جو 8 آذار على ثلث معطّل مضمر (عبر وزير ملك).ووسط هذا العد العكسي الحار للحسم الحكومي لا يملك هذا المصدر ولا سواه اي معطيات قاطعة حول طبيعة رد قوى 8 آذار ولكنه يرجح ألا يكون الرد بمستوى التهويل الكبير الذي يمارسه اعلامياً الان نظراً الى عوامل ومؤشرات عدة من أبرزها ان العصيان على حكومة جديدة من خارج الاصول الدستورية اي بما يتجاوز عدم منحها الثقة سيقود فوراً الى التخوف من تحريك الشارع وتفجير فتنة محققة وهو الامر الذي يستبعده المصدر خصوصاً مع ادراك قوى 8 آذار خطورة التعبئة التي تجتاح الشارع السني تحديداً عقب اغتيال الوزير شطح. كما ان الحكومة الجديدة ستحصد فور اعلانها غطاء دولياً واسع النطاق بما لا يمكن معه لايران تحديداً التي تملك ورقة التحكم بفريق 8 آذار ان تمضي بعيداً في معاكسة المجتمع الدولي الآن، إلا اذا كانت في وارد المخاطرة بتفجير الساحة اللبنانية وتحمل تبعات ذلك دولياً واقليمياً. وهو امر يبدو مستبعداً اقله لمعرفة طهران بخطورة ان يزجّ «حزب الله» نفسه في متاهة فتنة واضطرابات مذهبية داخلية في وقت لا تزال الحاجة اليه في سورية اكثر اولوية والحاحاً.ويعترف المصدر نفسه ان سباقاً خطيراً بدأ بقوة نحو ساعة الحسم الحكومي وسيكون من الصعوبة التكهن مسبقاً بما يمكن ان يحصل لان الافرقاء الرافضين والمتحفظين للخطوة لن يكشفوا اوراقهم مسبقاً سعياً وراء الضغط على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ومَن يدعمهما لمحاولة ثنيهما عن حكومة لا تتوافق وشروط 8 آذار. غير ان ما يلفت في كلام المصدر نفسه هو قوله ان الاشتباك الذي حصل في شأن الهبة السعودية للجيش اللبناني التي اعلنها الرئيس سليمان قد يكون مرشحاً للتكرار في الخطوة الحكومية بمعنى احراج فريق حلفاء النظام السوري وطهران بواقع يجير لمصلحة الشرعية اللبنانية ويصعب الانقلاب عليه الا بعمل مسلح. وهو الامر الذي يفسر الاقدام الحازم على بت الملف الحكومي بعد طول انتظار كأن هناك معطيات غير ظاهرة بان الخطوة لن تثير على الاقل ما يجري التخويف منه ولان انهيار الوضع في لبنان لا يزال من الممنوعات الدولية وحتى الاقليمية. كما ان المصدر يلفت الى ان تزامن بت الملف الحكومي قبل ايام قليلة من بدء المحاكمات في المحكمة الخاصة بلبنان في 16 الجاري ليس امراً عابراً وسيجعل من الصعوبة اكثر فاكثر على فريق «حزب الله» وحلفائه تجاوز الاطر السياسية في الاعتراض على الحكومة بما يعرضه لمزيد من انكشاف مع انطلاق المحاكمة في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي يتناول خمسة متهمين من عناصره.وكان «حزب الله» أطلق سلسلة من الاتصالات السياسية لمواكبة مرحلة ما بعد عيد رأس السنة وأوفد المعاون السياسي لأمينه العام حسين الخليل ووزير الصحة القريب من الرئيس نبيه بري علي حسن خليل الى بنشعي حيث تشاورا مع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية حول «خطة العمل».
خارجيات
هامش الردّ الإيراني عليها سيكون محدوداً
الاشتباك اللبناني حول تشكيل الحكومة يحتدم
12:30 م