تختلف زنة العبوة، تتشابه الأمكنة وتتطابق المصائر.محمد شطح لحق بالأمس برفاقه الذين سبقوه إلى الشهادة، بعدما كمنت له سيارة مفخخة أودت بحياته وأردت آخرين صودف وجودهم في محلّة «ستاركو» في وسط بيروت.عائلة شطح، وعلى بعد أمتار من مثواه الأخير الذي سيوارى الثرى فيه اليوم إلى جانب رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في وسط بيروت، تتقبل التعازي من شخصيات سياسية واجتماعية في قاعة «مسجد محمد الأمين». بالصمت تارة والدموع تارة أخرى، ترثي الفقيد. ثم تنفجر الكلمات من فم الأقارب لوعة على مَن «خَطف» من عائلته ومضى... شهيداً.زوجته نينا ميقاتي شطح التي كانت تتحضّر مع الوزير لـ «فرحة» في البيت مساء امس، تقول لـ «الراي» بصوت امتزجت فيه الفاجعة بالصدمة: «رحم الله محمد، ماذا أقول بعد!»، معلنة بحرْقة الموجوع «أطلب من الله أن يلقى قاتل محمد الموت، أن يدفن في القبر كما «قبرلي» زوجي.في بهو قاعة التعازي كان لـ «الراي» لقاء مقتضب مع عدد من الشخصيات التي حضرت لتقديم واجب العزاء، فكانت هذه الكلمات في الشهيد شطح:رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، اعتبر اغتيال شطح «خسارة كبيرة»، مؤكدا أن الوزير السابق «ضحى بنفسه في سبيل الوطن، فقد ترك مغريات الغرب وأتى الى هذا البلد ليقيم فيه حوارا». وقال: «أي خسارة للبنان بخسارة شطح، نحن بحاجة إلى الاعتدال، إلى التفاهم، الى الحوار بين بعضنا البعض. ومحمد شطح كان الرجل القادر على هذا الحوار»، آملاً «ألا ينقطع الحوار بين اللبنانيين كي ننقذ بلدنا».أما النائب مروان حماده، فأكد أن اغتيال شطح «هو عمل إرهابي بامتياز للتهويل على كل المجتمع السياسي الراقي في لبنان أو ما تبقى منه»، مشيراً إلى أنه «عبر محمد شطح وُجهت رسائل إلى كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، 14 آذار، المجلس النيابي والجمهور اللبناني بأن الانقلاب الزاحف لحزب الله مستمر في اتجاه لبنان عبر العراق وسورية»، محذراً من أنه «إذا لم نتدارك أمورنا بسرعة سيغتصب السلطة الشرعية في انتخابات الرئاسة المقبلة».وشدد على أن «قوى 14 آذار ستواجه بكل الوسائل إلا العنف»، مشدداً على أن «هذه الوسائل ذات فعالية، فكل الفاشيات في العالم سقطت في النهاية أمام صمود الشعوب، وبالتالي سيلقون مصيرهم ونهايتهم السياسية ابتداء من الجو الشعبي الذي لا بد أن ينتفض يوماً ما وصولا الى المعاقبة أمام المحاكم الدولية».وعما اذا سيكون التشييع الشعبي اليوم رسالة موجهة إلى القتلة، أجاب: «نحن لم ندعو إلى مهرجان شعبي كبير»، مشيرا إلى أن «الحركة ستكون متواصلة ومتصاعدة، ونحن ننتظر أيضاً كلاماً مفصلياً لفخامة رئيس الجمهورية مساء الأحد».من ناحيته، شدّد النائب دوري شمعون على أن اغتيال شطح «خسارة كبيرة»، قائلا: «كان رحمه الله من الجماعة الذين لا يؤذون برغشة». ولفت إلى أن «الوزير الشهيد كان دائماً لطيفاً، وأسلوبه هادئ، ورحيله خسارة كبيرة من مختلف النواحي».وردا على سؤال حول الرسالة التي يحملها اغتياله، أجاب شمعون: «كمثل الرسائل التي وجّهوها لنا بأنهم لا يريدون أحدا غيرهم في هذا البلد صاحب رأي»، لافتا في ما يتعلق برد «14 آذار» على هذه الرسائل بأن «إشعال حرب مش شغلتنا، ونحن نرد بالأساليب التي تتناسب مع تربيتنا وتحترم الدستور والقانون»، موضحاً «أننا لا نريد بلد اغتيالات وقتال، بل بلداً متمدناً على مستوى أرقى الدول، وهذا ما يمكن بلوغه إن هؤلاء الجماعة حلّوا عنا».ورأى الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، أن «اغتيال شطح يلخص مأساة لبنان»، مشيرا إلى «أن من الواضح أنه في لبنان تغتال المذهبية الوطنية، والجريمة تغتال السياسة والعلم».وأكد بيضون أن شطح «كان يمثّل كل هذه القيم الوطنية والسياسة الجامعة ويمثل العلم، الذي يراهن عليه لبنان لمستقبله»، مضيفا: «أعتقد أن خسارتنا كبيرة، لأن محمد شطح كان من الأشخاص الواعدين جدا لمستقبل لبنان».وإذ شدد على أن «لبنان محكوم من مافيا إرهابية»، جزم بأن «الردّ على هذه المافيا بثورة أرز ثانية»، محذرا من أنه «إذا كانت 14 آذار عاجزة عن تنظيم ثورة أرز ثانية سيدفع لبنان الثمن غالياً، فهو يتفكك».