كشف كتاب أميركي جديد ان «اول بعثة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي اي اي) الى الدول العربية كانت تساند مشروع تجنب انقسام فلسطين وعدم قيام دولة اسرائيل، وان ضابط المخابرات الأميركية وقائد الانقلاب في ايران في عام 1953 كان صديقا شخصيا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر».واظهر الكتاب الذي يدعى «لعبة اميركا الكبرى: العملاء المستعربين السريين لدى وكالة المخابرات المركزية وتشكيل الشرق الأوسط الحديث» للكاتب الأميركي هيوغ ويلفورد أن «الادارة الأميركية في عهد الرئيس دوايت ديفيد أيزنهاور ارتكبت خطأ كبيرا بمعاداة القوميين العرب ومحاولة الاطاحة بهم لعدم وصولهم الى الحكم ما جعل رموزا قومية مثل عبد الناصر تتحالف مع السوفيات ابان الحرب الباردة».وبين الكتاب حقائق رويت عن مهمة طلائع عملاء «سي اي اي» في الشرق الأوسط التي ذكر الكتاب انها «باءت بالفشل عندما اختارت اميركا مساندة قيام دولة اسرائيل ما جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خصبة لانتشار الاشتراكية ومعاداة الليبرالية التي كانت تنادي بها اميركا». وشكلت اول مهمة استخبارية في منطقة الشرق الأوسط حسب رواية الكاتب «فرقة من ثلاثة ضباط هم : كيرميت «كيم» روزفلت حفيد تيودور روزفلت وأول رئيس لفريق العمل السري لدى وكالة المخابرات المركزية في المنطقة، الثاني هو ابن عمه ارشي روزفلت، كان معروفا عنه انه مثقف يعيش في الشرق الأوسط وكان رئيس محطة بيروت. انضم إلى الضابطين رووسفلت مايلز كوبلاند، وهو متخصص في العمليات السرية كان قد انضم إلى مؤسسة المخابرات الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية».ويذكر الكاتب « ان اغلب المعلومات والكتب التي تناولت مهمة «سي اي اي» في الشرق الأوسط انحصرت في علاقة وكالة الاستخبارات بإيران دون التطرق الى نشاطاتها في بقية دول المنطقة». لذلك فقد اظهرت فصول هذا الكتاب أهم النشاطات السرية لعملاء «سي اي اي» في دول عربية كثيرة مثل مصر والعراق والسعودية والأردن، وعرض الكتاب اهم الشخصيات العربية التي تعامل معها عملاء الاستخبارات الأميركية».«منذ انقلاب عام 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء القومي الإيراني محمد مصدق، وصولا الى المزيد من التقارير الأخيرة المفرج عنها من داخل السجون السرية التابعة لـ(سي اي اي) مرورا بحرب الطائرات من دون طيار، لعبت وكالة الاستخبارات المركزية دورا حاسما في العلاقة المضطربة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط»، يروي الكاتب.وبين الكاتب وجود غموض يحوم حول تكتم وكالة الاستخبارات عن نشاطاتها في الشرق الأوسط ابان اندلاع الحرب الباردة «مع عدم إمكانية الوصول إلى سجلات الوكالة الخاصة حول هذا الموضوع، سرعان ما اكتشفت الأمر من خلال مصادر أخرى متاحة علنا مع استمرار الغموض حول سبب تطويق (سي اي اي) مثل هذه المواضيع في الأوساط الأكاديمية فقط في الولايات المتحدة».واوضح الكاتب انه على «على عكس ما كانت عليه السمعة الشيطانية لوكالة الاستخبارات المركزية في إيران وفي أنحاء كثيرة من العالم العربي بدا ان الأفراد المسؤولين عن أول العمليات السرية الأميركية في المنطقة كان لديهم تعاطف شخصي جدا مع العرب والمسلمين». وقال: «في الواقع، كان كيرميت (كيم) روزفلت الذي قاد عملية 1953 في إيران هو صديق ومؤيد للقومية العربية الرائدة اليوم، واهم رموزهم جمال عبد ناصر. حتى ان الأكثر إثارة للدهشة هو قيام روزفلت بجعل وكالة الاستخبارات المركزية السرية تمول بعض الأنشطة والجهود داخل الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز التقدير للمجتمع والثقافة العربية، ومواجهة تأثير نفوذ الصهاينة المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة على السياسة الخارجية الأميركية في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي. ولذلك أطلق عليهم (المستعربين)....في هذا الصدد كانت مجموعة الضباط الثلاثة الذين استقروا لعشر سنوات في الشرق الأوسط يعملون سرا خلال عام 1940 لدفع التقارب بين الولايات المتحدة والدول العربية لتفادي تقسيم فلسطين».كما أجاب الكتاب عن سؤال : لماذا لم تستمر وكالة المخابرات المركزية بكونها متعاطفة مع العرب والمسلمين واصبحت تعتبرهم اليوم خصما لها؟ وقال «هناك بعض العوامل لطالما أثرت على العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط بصفة عامة وجب تفسيرها. كان هناك تأثير الحرب الباردة من جهة، ومن جهة أخرى ميل مسؤولين أميركيين كوزير الخارجية في عهد دوايت ايزنهاور، جون فوستر دالاس، إلى اللجوء إلى العمليات السرية من أجل القضاء على الزعماء الوطنيين في الدول العربية (أمر نظر اليه عادة بشكل غير صحيح) لتجنب استيلاء الشيوعيين على السلطة. يذكر ان واشنطن للحفاظ على وصول الدول الغربية لنفط الشرق الأوسط دخلت في خلاف مع القوميين المحليين، الذين، بعد أكثر من قرن من الاستعمار الفرنسي والبريطاني في المنطقة، كانوا مصممين على حد سواء للتخلص من النفوذ الغربي، بما في ذلك تدخل العملاء السريين».اول عملاء «سي اي اي»ويذكر الكاتب انه «منذ هجمات 9/11 الى هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار على العراق، بدت العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط... في دوامة. وكثيرا ما زاد تدخل وكالة الاستخبارات الأميركية في المنطقة في جعل العلاقات المشتركة أكثر سوءا. ولكن هذه الأزمة ليست حتمية تاريخية بل على العكس من ذلك ففي الواقع كان أول جيل من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية الحليف الغربي القوي لدول منطقة الشرق الأوسط».في كتاب «لعبة أميركا الكبرى» يكشف مؤرخ المخابرات هيوغ ويلفورد تاريخ المستعربين الذين عملوا لدى وكالة الاستخبارات المركزية «سي اي اي» والذين قاموا بعمليات مؤيدة للعرب بين 1940 و1950 من خلال تتبع عمل ثلاثة ضباط اعتبروا في ذاك الوقت عملاء الـ«سي اي اي» الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط. ويروي الكتاب: «مع معرفتهم العميقة لشؤون الشرق الأوسط كانت مهمة الرجال الثلاثة تمثل ارثا لتقاليد المهمات الأميركية الخارجية التي تشارك العرب والمسلمين وتتعامل معهم باحترام وتعاطف. إلا أنهم كانوا مفتونين أيضا بالمؤامرات الإمبريالية، وكانوا حريصين على أن يلعبوا لعبة جديدة من اللعبة الكبرى التي كانت تعرف في القرن التاسع العاشر بالنضال بين بريطانيا وروسيا من أجل السيطرة على آسيا الوسطى. رغم حسن نواياهم، هؤلاء «المستعربون» دعموا الأنظمة الاستبدادية في المنطقة وحاولوا سرا التأثير على الرأي العام في أميركا ضد دعم دولة إسرائيل الجديدة، ونظموا الانقلابات التي زعزعت الدول التي تعاطفت مع اسرائيل بطريقة لا رجعة فيها. وعلى الرغم من جهودها فقد فشلت مهمتم في نهاية المطاف، وشكلت تداعيات مهمتهم في خلال عشر سنوات مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط لعقود مقبلة».كتاب «لعبة أميركا الكبرى» يحكي استنادا إلى مجموعة واسعة من السجلات السرية الحكومية، وأوراق خاصة، ومقابلات شخصية، قصة مرحة عن فرقة ضباط وكالة المخابرات المركزية التي «غيّرت لعبة التجسس التي قام بها عناصرها السياسة الخارجية الأميركية إلى الأبد».