قبل ايام قليلة من بداية سنة 2014 التي سيكون لبنان معها امام زحمة استحقاقات يمكن ان ترسم مصيره، لا يبدو اي طرف سياسي ولا حتى اي مرجع رسمي قادراً على رسم خريطة السيناريوات المحتملة  للتعامل مع هذه الاستحقاقات بدءاً بما يثار حالياً عن الاتجاه الى تشكيل حكومة جديدة في الاسبوعين الاولين من يناير المقبل.وكان بارزاً ما شهدته عطلة عيد الميلاد من مواقف أطلقها رئيس الجمهورية ميشال سليمان من مقر البطريركية المارونية في بكركي بالاضافة الى مواقف اخرى للرؤساء الروحيين للطوائف المسيحية على اختلافها، وعكست رفعاً لوتيرة التوقعات في شأن مرحلة محفوفة بكثير من الغموض والترقب وحبس الانفاس، اذ اوحت هذه المحطة بأن البلاد دخلت في مرحلة شديدة الدقة والحساسية على مستوى الصراع السياسي.وقالت مصادر اطلعت على أجواء اللقاءات التي عُقدت في مقر البطريركية المارونية في بكركي والمداولات التي تخللت حركة المهنئين للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لمناسبة الميلاد خلال اليومين الماضيين، انه يبدو واضحاً ان الرئيس سليمان حظي بدعم قوي من البطريركية المارونية بل بغطاء كامل في اتجاهه والرئيس المكلف تمام سلام الى بت الازمة الحكومية قريباً باعتبار ان بكركي ما انفكت تطالب بتسريع تشكيل الحكومة كمنطلق للتخفيف من تداعيات الازمات التي تثقل على لبنان. كما ان الاهم من ذلك ان بكركي سجلت موقفاً واضحاً عبر عظة الراعي اعتبرت فيه ان سليمان وحده يتبع المسلك الدستوري السليم بما فُهم منه دعمه في مواجهة الحملات التي تستهدفه من اطراف في قوى 8 آذار. وتشير المصادر لـ «الراي» الى انزعاج بكركي من النبرة التي طبعت الخطاب الاخير للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في تحذيره ضمناً الرئيس سليمان من مغبة تشكيل حكومة امر واقع، وهو ما ترجم في استعمال سليمان نفسه عبارة «نقطة على السطر» التي كان نصرالله استخدمها في خطابه، الامر الذي يدلّ على استمرار شد الحبال والتباين العميق بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» رغم الزيارة التي قام بها النائب محمد رعد لقصر بعبدا مطلع الاسبوع الجاري. وكان لافتاً اعلان الراعي امام زواره امس أن «الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية إذا حصل فهو إهانة للوطن وللرئاسة».ولكن المصادر التي اطلعت على اجواء بكركي اشارت الى ان من غير المعروف بعد اذا كانت البطريركية المارونية، التي استقبلت امس وفداً من «حزب الله» (ضم عضوي المكتب السياسي غالب ابو زينب ومصطفى الحاج علي) قدّم التهاني بالميلاد باسم نصر الله، تؤيد تشكيل حكومة حيادية او نصف حيادية ونصف حزبية على ما يتردد في شأن الصيغة الاكثر احتمالاً التي ينوي الرئيسان سليمان وسلام الاقدام عليها في الاسبوعين المقبلين. ويبدو ان سليمان وضع الراعي في أجواء المشاورات التي باشرها والتي ستُستكمل في الايام المقبلة وخصوصاً بعد رأس السنة بما يوحي ان الامور لم تبلغ بعد حدود البت النهائي بالصيغة الحكومية النهائية، كما وضعه في أجواء المعطيات التي يجري التحضير لها لحصول لبنان على دعم ملموس من المجتمع الدولي في مسألة اللاجئين السوريين (مؤتمر الدول المانحة في الكويت في 15 يناير) ودعم الجيش اللبناني (المؤتمر المرتقب في روما) عملاً بتوصيات مجموعة الدعم الدولية للبنان التي انشئت في نيويورك في سبتمبر الماضي. وهذا الامر الاخير يعد تطوراً مهما في نظر سليمان اذ سيثبت عدم تخلي الاسرة الدولية عن لبنان والوقوف بجانبه في استحقاقاته وظروفه الصعبة مما قد ينعكس ايجاباً على الازمة الداخلية.غير ان المشهد السياسي والحكومي بدا متجهاً الى مزيد من التعقيد وربما التصعيد الاعلامي الحاد اذ ان تصريحات لنائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم امس بدت بمثابة ردود جديدة على كلام سليمان في بكركي وشكلت إثباتاً اضافياً على خطورة الكباش التصاعدي الذي تشهده البلاد. فالرجل الثاني في «حزب الله» اعتبر ان تشكيل الحكومة يعني القوى السياسية ايضا وليس مهمة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وحدهما، في رد واضح على اعتبار سليمان ان بت هذا الملف يجري بالاحتكام الى الدستور في النهاية. كما ان قاسم عاود اطلاق التحذيرات من ان «الحكومة الحيادية او حكومة اللون الواحد او حكومة الامر الواقع كلها مسميات لامر واحد وهو الفوضى والخطر والتعقيدات والمجهول»، موضحاً ان «الحل الوحيد هو الحكومة الجامعة، وننصح رئيس الجمهورية ان يحمل هذه المسؤولية الخطيرة والكبيرة بما يؤدي الى وحدة لبنان لا الى تفككه». ولم تفاجئ مواقف قاسم الاوساط المطلعة على حقيقة ما يجري تداوله لدى 8 اذار التي تعدّ بقوة لمواجهة احتمال تشكيل اي حكومة بغير صيغة 9-9-6 وذلك برفضها وبتصعيد المواجهة. وتقول هذه الاوساط ان بعض قوى 8 اذار فوجئ بان سليمان لمح الى إمكان إسقاط الحكومة الجديدة في مجلس النواب في معرض تشديده على ضرورة استعجال تشكيل الحكومة ليبقى المجال متاحاً امام تشكيل حكومة اخرى في حال عدم نيل الاولى الثقة النيابية. وتتساءل هذه القوى عن المغزى من الاقدام على حكومة يدرك رئيس الجمهورية انها ستُواجَه برفض فريق اساسي والخلفيات التي تدفعه الى المضي في هذا الاتجاه.واللافت في السياق عيْنه انه بعدما فقدت «8 آذار» الامل في امكان ثني سليمان عن المضي في خيار الحكومة الحيادية، تتجه صوب الرئيس المكلف تمام سلام لحضه على التراجع عن خطوة من هذا النوع.وقالت مصادر في «8 آذار» لـ «الراي» ان سلام هو صاحب الدور الرئيسي في تشكيل الحكومة التي يمكن ان يقبلها سليمان او لا يوافق عليها، وتالياً فان سلام مطالب باثبات الروح التوافقية التي اتت به رئيساً مكلفاً.ورأت انه «اذا عمد الرئيس سلام الى تشكيل حكومة حيادية يعني انه غلّب خياره الشخصي والحزبي كواحد من فريق 14 آذار، وتالياً سيتم التعاطي معه على هذا الاساس كونه خرج عن الاطار التوافقي». وتكتسب مجمل هذه الاجواء والمعطيات دلالات مستجدة اذ تكشف ان مناخاً شديد السخونة سياسياً سينفتح مع مطلع السنة يصعب معه التكهن من الان بأيّ سيناريو محدد ولكن المواجهة السياسية تبدو على قدر من الخطورة التي ستتضح معالمها مع الكلام المنتظر للرئيس سليمان يوم الاحد في لقاء سيعقده مع المراسلين والاعلاميين في قصر بعبدا.