قبل أيام قليلة، كانت الصويري مجرّد بلدة ذات جغرافيا تضعها «في فم» البقاع الغربي على بعد 100 متر من المصنع على الحدود مع سورية، قبل ان تتصدّر الشاشات باعتبارها صورة عن حال الاحتقان المذهبي الذي يسود لبنان والذي صبّت الأزمة السورية «الزيت على ناره» التي تستعر تارة تحت الرماد وطوراً فوقه.الصويري التي ترتفع عن البحر 1100 متر ونادراً ما «خرجت الى الإعلام»، سرعان ما «ارتفعت حرارتها» بعدما شقّ «فيروس» الفتنة طريقه اليها مع اندلاع «حرب العائلتين» (جانبين السنية وشومان الشيعية) فيها التي أدت الى مقتل خمسة اشخاص وجرح نحو ستة، وهي التي تعوّدت ان تعيش بسلام وان تحتضن كل ابنائها الـ 10 آلاف على اختلاف مذاهبهم، متكئة على إرث «الضيافة» للغريب قبل «أهل الدار» والذي تختزله التفسيرات حول اسمها وبينها انها كانت مليئة بالمنازل للضيافة الى ان اعطى لها اسم الصويري الذي جاء من كلمة «استصور» اي «جاء الى منطقة».وغداة ضبط الجيش اللبناني الوضع في البلدة التي تبعد عن بيروت نحو 61 كيلومتراً ويحدها من الشمال مجدل عنجر والمصنع ومن الغرب المنارة ومن الجنوب والشرق البعض من بقايا المنارة والحدود السورية، بقي «الغليان» سائداً مع تشييع عائلة جانبين اثنين من ضحايا اشتباكات الاحد (احمد وشقيقه الرقيب اول في الجيش خالد) التي اندلعت بعيد تشييع محمد سعيد جانبين الذي كان قضى السبت بنيران أفراد من عائلة شومان على خلفية خلاف حول أفضلية المرور سرعان ما اكتسب طابعاً مذهبياً خطيراً وتداخلت فيه الاعتبارات العشائرية والسياسية وفجّر مواجهات تخللها حرق بيوت لآل شومان الذين سقط منهم ايضاً شخصان (يوسف وولده).واستدعت حواث الصويري التي فيها 2000 جندي في الجيش اللبناني استنفاراً سياسياً على اعلى المستويات واكبته اجراءات امنية كثيفة في محاولة لسحب فتيل الانفجار الذي عززت المخاوف من حصوله الاتهامات لآل شومان بانهم من «سرايا حزب الله» وبروز حالات نزوح لعائلات منهم، في تطور غير مسبوق ولا سيما ان البلدة عرفت نحو 250 حالة زواج بين آل شومان وباقي العائلات السنية فيها.وتابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان امس مع المسؤولين المعنيين الاوضاع في الصويري مبديا أسفه لسقوط الضحايا واللجوء الى حرق المنازل بين المتخاصمين.وكان بارزاً الاتصال الذي تلقاه رئيس البرلمان نبيه بري من رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السينورة وجرى خلاله التداول في كيفية تطويق ذيول أحداث الصويري، وحصرها في إطار ضيق. ومن بين الافكار التي طرحت أن تدفن عائلة جانبين ضحاياها اليوم، على أن تدفن عائلة شومان ضحاياها غداً منعاً للتزامن، وما يمكن أن يثيره من ردود فعل. ووسط انتشار الجيش الذي حوّل البلدة ثكنة عسكرية شيّع آل جانبين قتيليْ يوم الاحد، فيما قال عرفات جانبين لـ «الراي» ان مَن أقدم على قتل شقيقيه وابني عمه «مأجورون، ومنبوذون من عائلتهم، ونتيجة عزلهم نفذوا احتقانهم بالاوادم من ابنائنا»، مضيفاً: «رغم مصابنا كنا العقلاء ودعونا الى التهدئة، فيما الاخرون سعروا المشكلة». وأبدى عتبه «على العقلاء في عائلة شومان - الذين لم يرضوا بما حصل - على وقوفهم وتفرجهم مكتفين برفضهم، من دون التدخل لرأب الصدع». وعما وصلت اليه تدخلات دار الفتوى والسياسيين في الموضوع، قال جانبين «نحن لسنا محسوبين على اي طرف سياسي، ابناونا ابناء المؤسسة العسكرية»، من دون ان ينفي ان الاتصالات لتطويق الحادثة، بدءاً من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، و»حزب الله» وبري، ودار الفتوى في البقاع، والقيادة العسكرية للجيش، اثمرت هدوءاً، وحملة مداهمات شملت منازل متهمين ومشتبه بتورطهم في الاشتباكات.واستنكر ما ورد في الاعلام عن ان المشكلة مذهبية، وقال: «لدينا مسجد واحد يجمع الجميع، ومقبرة واحدة للجميع، وطقوس الاحزان والافراح نفسها، ولن نقبل ان يعيدونا الى العصر الحجري»، موضحاً ان «الاثنين آل شومان لم يقتلا برصاص ابنائنا كما حاول البعض تحوير الحقيقة، بل برصاص الجيش، اثر رده على مصادر النيران»، ولافتاً الى ان «عودة اهالي المتورطين في اطلاق النار على جانبين، الى البلدة مرهونة بتسليم كل من له علاقة في هذه الحادثة للجيش».بدوره اكد المختار ابراهيم شومان، شقيق علي شومان، المعني الاول بالمشكلة، لـ «الراي» ان «لا ابعاد طائفية او مذهبية لهذا الاشكال، انما هناك اناس دخلوا على الخط، مستغلين المشكل، «وصبوا الزيت على النار»، بهدف افتعال فتنة مذهبية في البلدة»، موضحاً ان «الاشكال وقع في لحظة غضب»، وآملاً ان «يتم تطويق الحادثة بما يضمن امن البلدة والجميع، لا أن يذهب الصالح بظهر الطالح»، وشاكراً كل من سعى لتطويق الحادثة وذيولها.
خارجيات
طرفاها تحدثا لـ «الراي» عن «لحظة الغضب»
«حرب العائلتين» في الصويري صورة عن الاحتقان المتفجّر في لبنان
10:50 ص