تشهد مناطق بيروت وجبل لبنان بصورة خاصة منذ يومين انتشاراً واسعاً وتدابير احترازية، شرع الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وأجهزة أمنية أخرى في تنفيذها طبقاً لخطة منسقة الهدف منها إشاعة أجواء الاطمئنان في فترة عيديْ الميلاد ورأس السنة.وأثار إصدار قيادة الجيش بياناً حول هذه التدابير التي تشمل دوريات مؤللة واجراءات مراقبة وحماية للمؤسسات التجارية الكبيرة والشوارع الرئيسية وسواها من احتياطات،انطباعات مريحة على المستوى الشعبي، الا ان هذه الاجراءات عكست في جانبها الآخر تصاعد المخاوف من الواقع الامني والسياسي الذي يسود الوضع اللبناني والذي اتخذ في الاسبوعين الاخيرين طابعاً شديد السخونة في ظل تطورات أمنية متعاقبة في مناطق صيدا والبقاع الشمالي، الامر الذي رافقته ملامح تصعيد سياسي كبير كان من ابرز تجلياته التداعيات التي فجرها الخطاب الذي ألقاه الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي وردود قوى «14 اذار» عليه بما فتح الباب واسعاً امام مرحلة محفوفة بنقل الصراع الداخلي الى متاهة شديدة الحماوة.وبدا واضحاً ان الايام الاخيرة من السنة الحالية تشكل في ذاتها انعكاساً لمجمل الواقع المتردي الذي بلغه لبنان من خلال المسار الشديد الخطورة الذي زُجّ به في تداعيات الأزمة السورية، اذ لاحظت اوساط مطلعة ومعنية عبر «الراي» ان الاسبوعين الاخيرين شهدا ما يمكن اعتباره اكثر درجات التلازم خطورةً بين التدهور الامني والسياسي في لبنان وبين التصاعد المخيف للصراع السوري الميداني.وتلفت الاوساط المطلعة في هذا السياق الى ان عمليات التفجير والاعتداءات على الجيش في صيدا واستهداف موقع لـ «حزب الله» في البقاع الشمالي وسقوط صواريخ على الهرمل والقاع التي حصلت بوتيرة سريعة، كانت تواكب تصاعد المعارك في سورية والقلمون ميدانياً، والتعقيدات الكبيرة في الاعداد لمؤتمر «جنيف -2» في الوقت نفسه. ولم يتأخر المسار السياسي الداخلي عن اللحاق بالمسار الامني والعسكري فجاءت المواقف التي اطلقها نصرالله متضمنة تهديدات علنية ومبطنة لقوى «14 آذار» وسواها من أطراف اقليمية ولا سيما السعودية، لتشعل المواجهة السياسية على أبواب العد العكسي لمرحلة قد يكون لبنان امامها في مواجهة اكثر تجاربه خطورةً.وتكشف الاوساط نفسها ان ما اثار الخشية في اليومين الاخيرين هو الايحاءات الجدية لامكان عودة مغامرات مسلحة في الصراع السياسي الداخلي. فتحذيرات بعض اطراف «14 آذار» من 7 مايو جديد (على غرار العملية العسكرية لـ «حزب الله» العام 2008 في بيروت والجبل) لم تُطلق على سبيل الانفعال والرد الفوري على نصرالله فحسب بمقدار ما كانت نتيجة اقتناعها بان «حزب الله» قد يقدم فعلا على مغامرة مسلحة جديدة. وتشير في هذا السياق الى ان اوساط الحكم والحكومة المستقيلة لا تشاطر قوى «14 آذار» هذه المخاوف لكنها ايضا لم تملك اي ضمان من شأنه ان يمنع تصاعد الاحتدام لان قنوات الوساطات بين القوى السياسية تبدو معطلة بالكامل.في ظل هذا الواقع، تقول الاوساط نفسها ان الجيش حظي بدعم سياسي رسمي كامل لاتخاذ كل التدابير التي من شأنها ان تبرد المخاوف من الاستهدافات الامنية الارهابية المحتملة، وفي الوقت نفسه اعادة ترسيخ الاستقرار الذي اهتز بقوة امام التصعيد الكلامي بين «حزب الله» وخصومه. وتوقعت ان تشهد الايام المقبلة اتصالات ومشاورات كثيفة بعضها معلن واكثرها سري بعيد عن الاضواء لاعادة ضبط الصراع الداخلي ضمن حدود معقولة ومنع تفاقمه بعدما هددت تداعيات المواجهات الكلامية بعواقب خطيرة.ولم تستبعد ان يضطلع رئيس الجمهورية ميشال سليمان خصوصاً بهذا المسعى، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري على قاعدة «التهدئة الظرفية «للمواجهة على الاقل، افساحاً امام عودة احياء المشاورات والجهود بعد رأس السنة الجديدة للبحث في مخارج للازمة الحكومية من جهة وتلمس المقاربات الممكنة للاستحقاق الرئاسي من جهة اخرى.وتقول الاوساط انها لا تعتقد ان المواجهة السياسية والاعلامية ستشهد تطورات اضافية الان لكنها لم تسقط مخاوفها من الواقع الامني الذي يظل السيف المسلط على مجمل الوضع الداخلي.وكان لافتاً امس موقفين:* الاول لـ «حزب الله» أكمل فيه الهجوم على «14 آذار» من باب ربطها بـ «الشراكة مع التكفيريين» وسط اعتبار هذه القوى «ان ثمة خطة ممنهجة لجعل المعركة في لبنان تحت عنوان مشابه للذي نجح النظام في سورية في إرسائه»، اي بين جيش نظامي وتكفيريين وارهابيين، معربة عن خشية «من محاولة حزب الله نقل هذه الصورة الى لبنان»، اي «افتعال معركة بين مقاومة وجيش وبين تكفيريين وارهابيين»، بهدف استكمال عملية الانقضاض على الوضع الداخلي وزج طائفة في خانة الارهاب «لاستدراج عروض» دولية على حسابها وعلى حساب التوازنات في لبنان».واعلن نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «الخطر التكفيري لا يستهدف حزب الله أو الشيعة أو الجيش اللبناني فقط، بل هو داهم على جميع المسلمين والمسيحيين في لبنان»، لافتاً الى أن «الخطر التكفيري بات حقيقة واقعة في لبنان من خلال وجود جبهة النصرة وداعش والقاعدة فيه ومبايعة البعض لأمرائهم»، لافتاً إلى أن «الأخطر من ذلك أن الإرهابيين التكفيريين يمرون من تحت خيمة فريق 14 آذار، والبعض في هذا الفريق يرافعون في المحاكم عن قتلة الجيش اللبناني في عبرا».* اما الموقف الثاني، فلوزير الشوؤن الاجتماعية وائل ابو فاعور عبّر صراحة عن موقف النائب وليد جنبلاط من اي اتجاه لدى رئيس الجمهورية لإصدار حكومة امر واقع قبيل بدء المهلة الدستورية لانتخاب خلَف له ما لم يتم التوافق هلى الحكومة الجديدة وذلك بهدف عدم تسليم البلاد الى الفراغ.وعلى وقع تحذير «حزب الله «من مثل هذه الحكومة ووصف حلفائه اياها بانها ستكون «حكومة تفجير»، اعلن ابو فاعور «ان الحكومة الحيادية غير المتوافق عليها والتي يجري النقاش حولها هي مثابة قفزة في المجهول، وفي الفراغ الامني والسياسي والدستوري»، مؤكداً «ان الحزب التقدمي الاشتراكي لن يشارك او يغطي اي خطوة قد تمثل قفزة في المجهول سياسيا وامنيا ودستوريا، وقرارنا وموقفنا كحزب اننا مع حكومة سياسية جامعة، تتمثل وتتواضع فيها كل الاطراف لمصلحة الجلوس الى طاولة الشراكة الوطنية، للحد من الانقسامات والمخاطر».
خارجيات
جنبلاط يسحب الغطاء من حكومة الامر الواقع و«حزب الله» ماضٍ بربط «14 آذار» بـ «التكفيريين»
لبنان في «قبضة» إجراءات أمنية «غير عادية» فهل تمرّ الأعياد «على خير»؟
10:49 ص