توحي وتيرة الأحداث الأمنية المتوالية التي يشهدها لبنان، ان «الوطن الهش» الواقع فوق «الفالق السوري» دخل مسارا من «الزلازل» التي من المرجح ان «تطلّ» بين الحين والآخر على شكل مفاجآت أمنية لم تعد مفاجئة وبفوارق زمنية آخذة في التضاؤل، وخصوصاً مع الانهيار المتعاظم للمؤسسات السياسية التي غالباً ما كانت تشكل «مانعة صواعق» قادرة على احتواء الارتدادات الخطرة لأيّ هزات عنيفة.ولان الانكشاف الأمني في لبنان هو «صدى» للحرب «الطويلة الأمد» في سورية، فمن المرشح طغيان «الأمن المفقود» على ما عداه انسجاماً مع نظرية «الأوعية المتصلة» التي تربط الوضعين اللبناني والسوري، وخصوصاً بعد انتقال الماكينة العسكرية لـ «حزب الله» للقتال في سورية مما عزز خطر انتقال النار السورية الى لبنان، اقله في نظر خصوم «حزب الله» الذين يحمّلونه مسؤولية «استدراج» الحريق السوري.ومَن يقرأ «الخط البياني» لحركة التفجيرات ومظاهر الاضطراب الامني يكتشف علامتين فارقتين: الاولى تتمثل في تقلص المسافة الزمنية تباعاً بين تلك الوقائع، والثانية تتجلى في انفلاشها الجغرافي في اتجاه الجهات الاربع من لبنان، الامر الذي يؤشر الى ان البلاد تتجه تبعاً لهذا الايقاع نحو مرحلة اكثر ايلاماً خصوصاً في ظل سيناريو الفراغ الذي يتهدد آخر المؤسسات، اي رئاسة الجمهورية.وكان لافتاً ان «تتدافع» (في اقل من 48 ساعة) التطورات الامنية في اكثر من اتجاه، حمل كل منها مغزى بارزاً، من الاعتداءين اللذين استهدفا حاجزين للجيش في الاولي ومجدليون في صيدا، مروراً بـ «قنْص» عسكري لبناني لجندي اسرائيلي في رأس الناقورة، وصولاً الى تفجير صبوبا في البقاع الشمالي الذي استهدف مركز تبديل لـ «حزب الله» ثم قصف منطقة الهرمل بستة صواريخ أصاب أحدها ثكنة للجيش اللبناني ما أدى الى جرح عسكريين قبل ان تعلن «جبهة النصرة في لبنان» ان «سرايا مروان حديد» هي مَن أطلقها رداً على دخول الحزب الى سورية التي عاد جيشها النظامي وقصف ليل الثلاثاء مناطق حدودية في عكار في ما بدا محاولة لرسم «خط نار» ردعي رداً على استهداف المعارضة مناطق «حزب الله» في البقاع بالصواريخ.وفي ظل الالتباسات الكبيرة التي احاطت بهذه التطورات الامنية التي بقيت غالبيتها ملتبسة في ظروف وقوعها، رغم اعلان مجموعة تحمل اسم «أبناء كتائب جيش التوحيد» مسؤوليتها عن عملية صبوبا، فان الواضح الذي لا لبس فيه ان الواقع اللبناني بات «مكشوفا» على «الرياح الساخنة» السورية وسط توقعات بـ «أن تكون الأشهر الثلاثة المقبلة شديدة الحساسية والصعوبة، بفعل المعطيات المتحركة في سورية والمنطقة» على ما اعلن وزير الداخلية مروان شربل قبل ان يلاقيه رئيس مجلس النواب نبيه بري منبهاً من «خطر المجموعات الارهابية التي تسعى الى تحويل لبنان ساحة جهاد»، ومحذراً من استمرار هذا الوضع الامني الخطير». غير انه على قتامة الأجواء الناجمة عن تسارُع عمليات التفجيرات والاستهدافات الارهابية، فان أوساطاَ معنية استبعدت عبر «الراي» تخطي الوضع دائرة الرسائل المتفجرة الى انزلاق شامل في مواجهات واسعة في لبنان، ولو ان مفاعيل التفجيرات ترتدّ بسوء كبير على مجمل الوضع اللبناني.وتنتظر الاوساط اطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله يوم غد في تأبين القيادي في الحزب حسان اللقيس الذي اغتيل قبل نحو ثلاثة اسابيع على تخوم الضاحية الجنوبية، حيث يفترض ان تقدم اجوبة على العديد من الأسئلة التي تستدعيها المرحلة الراهنة امنياً وسياسياً.واختصر الرئيس بري الأفق اللبناني باعلانه ان «الوضع السياسي في البلد مقفل والاتصالات في موضوع الحكومة وغيرها متوقفة لان البعض لا يملك القرار»، مشبهاً الواقع الراهن بما ساد البلاد عشية انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود العام 2007، علماً ان تلك المرحلة أعقبها فراغ رئاسي لنحو 7 أشهر في ظل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي لم يكن فريق 8 آذار يعترف بشرعيتها الميثاقية بعدما انسحب منها الوزراء الشيعة، وهو المسار الذي لم يكسره الا العمل العسكري لـ «حزب الله» في بيروت والجبل في 7 مايو 2008 والذي تم تسييله سياسياً في اتفاق الدوحة الذي وفّر سلة تفاهمات شملت انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكيل حكومة مع ثلث معطل واضح لـ 8 آذار والتوافق على القانون الذي حكم انتخابات العام 2009 النيابية.وإذا كان الاستحقاق الرئاسي (موعده بين 25 مارس و25 مايو) يتجه نحو واحد من ثلاثة إحتمالات: إما إنتخاب رئيس جديد وإما التمديد للرئيس الحالي وإما الفراغ، فإن اوساطاً واسعة الاطلاع رجحت عبر «الراي» ذهاب الامور في اتجاه الاحتمال الاكثر كلفة وهو الفراغ لأسباب عدة ابرزها:اولاً: استحالة توافق طرفي الصراع «8 و14 اذار» على رئيس جديد للجمهورية، وليس ادل على ذلك من عجزها عن الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة منذ نحو تسعة اشهر.ثانياً: عدم نضوج الظروف الداخلية والاقليمية لتفاهم طرفي الصراع على حل على قاعدة «السلة الواحدة»، اي الرئاسة والحكومة، وهي الصفقة التي دونها «جبل» من الصراعات على التوازنات الداخلية والموقع الاقليمي للبنان.ثالثاً: الانطباع العام بأن لا مصلحة للأطراف الاقليميين في حسم اي ملف في لبنان قبل اتضاح الخيط الابيض من الاسود في سورية التي صارت مسرحاً مفتوحاً لحربين عسكرية وديبلوماسية.ولأن تعذُّر إنتخاب رئيس جديد يشبه تعذر إنتخاب «التمديد» لسليمان نصف ولاية او التجديد له ولاية كاملة، فإن التوازن السلبي في البلاد قد يفضي الى «لا إنتخابات»، مما يعني فوزاً مخيفاً للفراغ في سدة الرئاسة الاولى.وثمة مَن يعتقد ان قوى 8 اذار التي لن يضيرها بالضرورة التمديد للواقع الحالي بالتمديد لسليمان اذا إقتضت الحاجة، ستكون مضطرة الى عدم سلوك هذا الخيار تفادياً لإغضاب شريكها المسيحي المرشح الرئاسي، اي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، الذي بدأ يعلن ان التمديد لسليمان اسوأ من الفراغ في حين تعدّ قوى 14 آذار خطتها للمواجهة التي كانت مدار بحث في اجتماع عقدته مساء اول من امس في «بيت الوسط» (دارة الرئيس سعد الحريري).