بقلم د. أحمد سامح

الزوابع والاضطرابات التي تجتاح العالم بسبب نقص الغذاء، وارتفاع اسعاره تضر بصحة سكان المعمورة، وبأمنهم واستقرارهم كأفراد وكشعوب وأمم.واصدق تعبير للحالة التي تعيشها كثير من دول العالم الآن قول الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون: «ليس هناك ما هو اكثر اذلالا من الجوع، وبصفة خاصة حين يكون من صنع البشر».وكما تعددت الأسباب لأزمة الغذاء العالمية فقد تعددت الحلول لها ومنها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى مضاعفة انتاج المواد الغذائية كما دعا رئيس منظمة التجارة العالمية باسكال لامي إلى تطوير اساليب الزراعة في العالم الثالث بدلا من تقديم المعونات الغذائية.وحذر رئيس منظمة الاغذية والزراعة جاك ضيوف من خطورة المشاكل الغذائية على امن العالم.ونتناول هنا وعبر دراسة طبية وعلمية مفصلة دور الاغذية والمحاصيل المعدلة وراثيا في حل مشكلة المجاعة التي تهدد اكثر من ستين دولة من دول العالم، كما نقدم الآراء المعارضة لهذه المحاصيل والرد على هذه الاعتراضات.المحاصيل المعدلة وراثيا تقاوم الجفاف والصقيع والملوحة والحشرات وتنمو بأقل الاسمدة فتساعد على التوسع في الزراعة خصوصا في دول العالم النامي، كما انها تعطي محاصل وفيرة تلبي الحاجة في نقص الغذاء في العالم.والأهم من ذلك كله فإن الاغذية المعدلة وراثيا جعلت من الاطعمة علاجا للأمراض كما انها تعمل على تحسين صحة الانسان. ولنجاح حل مشكلة نقـــص الغـــذاء العـــــالمية لا بد من التعاون العلمي في مجال الهنــدسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بين شعوب العالم النامي والدول المتقدمة التي تملك الخبرة والامكانيات للتوسع في انتاج الاغذية المعدلة وراثيا.والمحاصيل والاغذية المعدلة وراثيا كثيرة منها اسماك وطيور داجنة وارانب ومواشي وغير ذلك كثير.

الهندسة الوراثية اخطر فروع علم الحياة، ومع الاخذ بها اصبح بالامكان تفصيل كائنات حية دقيقة تقوم بمهام متباينة، لم تخطر على البال وتحولت جهود الانسان في تحسين الاحياء من مجرد متابعة المخلوقات الطبيعية وهي تتكاثر وتتحسن اجيالها إلى التدخل في الكود الوراثي اي الشفرة الوراثية لهذه المخلوقات، وذلك باستخدام تقنية القطع والوصل والترقيع في بنية الموروثات «الجينات - Genes» اي تفصيلها في نهاية المطاف حسب الطلب لتقوم بمهام زراعية وغذائية وعلاجية محددة.وبدأت ثورة زراعية تبشر بإتاحة وفرة من الغذاء عن طريق زراعة اصناف محاصيل محسنة وراثيا.

نقل الجيناتالأغذية المعدلة وراثيا هي التي تم تطويرها من خلال علم «الهندسة الوراثية» و«التكنولوجيا الحيوية» والتي تعتمد على عملية دمج واتحاد الحمض النووي dna حيث يمكن فصل اي جين او بما يعرف في المصطلح العربي «موروث» من اي كائن حي ووضعه في كائن آخر ومنها المحاصيل والنباتات.وهذه العملية تسمى نقل الجينات «الموروثات» او عملية التعديل الوراثي ومن هنا كانت تسميتها بالمحاصيل المعدلة وراثيا والغذاء المستخرج منها بالاغذية المعدلة وراثيا «جينيا».وعليه فإن الاغذية المعدلة وراثيا «جينيا» هي الاغذية التي يكون احد مكوناتها البيولوجية «الحيوية» قد تم انتاجه باستخدام الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية. والمقصود بالتعديل الوراثي نقل الجينات ذات المواصفات المرغوبة من كائن حي لآخر بهدف تحسين الجودة او زيادة الانتاج او مكافحة الامراض والآفات والجفاف.أما السبل التي اتبعت للوصول الى هذا النوع من التعديل الوراثي اعتمدت على تقنية نقل «DNA» وجزء منه وربما جين واحد أو أكثر ليكتسب بعض الصفات المطلوبة.وتكون نسبة التغيير في الجينات محدودة وضئيلة جدا، فمثلا نبات القمح يوجد في نواة الخلية 80 ألف جين واضافة بضعة جينات سيشكل نسبة ضئيلة منها، لكن هذه العملية ليست سهلة، بل تحتاج الى مختبرات خاصة وخبراء في مجال الهندسة الوراثية.

مميزات المحاصيل المعدلة وراثياأصناف المحاصيل المعدلة وراثيا كثيرة منها أكثر من خمسين نباتا تم تعديلها وراثيا ومنها القمح، والارز، والبطاطس، والذرة وفول الصويا والطماطم، والخيار، والفلفل الأخضر، والبطيخ، والتفاح، والموز والقطن لاستخدام بذوره وغيرها.هذه المحاصيل انتاجيتها أكثر وتقاوم ظروف الجفاف والصقيع والملوحة، كما تقاوم هذه المحاصيل الامراض والحشرات والآفات الزراعية. ويمكنها ان تنمو بأقل قدر من استخدام الاسمدة، واستعمال المبيدات الحشرية، بالاضافة الى الآمال والوعود بنباتات تصنع غذاءها باستخدام الهواء الجوي بدلا من استنزاف التربة واعتمادها على السماد.كما ان هناك امكانية لازالة بعض الصفات السيئة في بعض المحاصيل من خلال التعديل الوراثي فقد تم تحسين نوعية البروتين، واضافة او زيادة المحتوى من الفيتامينات والمغذيات الدقيقة «مثل اليود والبيتاكاروتين».

سمك لمكافحة نقص البروتينتوقع العالم الاميركي يوناثان أوهار من «معهد التكنولوجيا الحيوية» في جامعة ميرلاند انه بامكان مزارع الاسماك المعدلة وراثيا تلبية احتياجات العالم من البروتين بعد تراجع الكميات المستخرجة من البحار والمحيطات.وأعرب عن اعتقاده ان التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية ستؤديان الى انتاج سمك يكافح النقص الشديد في بروتين الغذاء، وذلك بانتاج أسماك يزيد وزنها على عشرة أضعاف وزنها الطبيعي، وذلك من خلال استخدام جينات «هرمون النمو - grawth harmone».

طماطم للوقاية من أمراض القلب والسرطانيقول البروفيسور بيتر براملي من جامعة لندن انه طور بالتعاون مع زملاء له في اليابان نوعا من الطماطم المعدلة وراثيا غنية بمادة «بيتاكاروتين» التي تتحول الى فيتامين «A» في الجسم، ويعتبر هذا الفيتامين من المواد التي لا غنى عنها في مكافحة عدد من الأمراض الخطيرة مثل بعض أنواع السرطان وأمراض القلب والشرايين. ويعمل هذا الفيتامين على حماية شبكية العين من الاصابة بالتحلل والضمور... وهي الحالة التي قد تؤدي الى فقدان البصر.كما استنبط علماء من جامعة بوردو في ولاية انديانا نوعا جديدا من الطماطم المعدلة وراثيا غنية بمادة «الليكوبين» التي تحمي من الاصابة بالسرطان وبخاصة سرطان البروستاتا في الرجال وسرطان الثدي في النساء.وقال البروفيسور براملي ان التجارب تجرى حاليا على هذا النوع من الطماطم لضمان سلامتها من جميع النواحي الصحية ومطابقة شروط الاستهلاك البشري.

بطاطا للوقاية من سرطان الرحميبدو ان حبة البطاطا «البطاطس» المتواضعة باتت في طريقها لان تكون من مصادر حماية النساء من الفيروسات التي تسبب الامراض عن طريق الاتصال الجنسي والتي بدورها تؤدي الى معظم حالات سرطان الرحم.إذ يسعى باحثون أميركيون الى تطوير بطاطا معدلة وراثيا تحمل مكوناتها اللقاح المضاد لهذه الفيروسات التي تعرف اختصارا بين الاوساط الطبية «HBV».ومن الناحية النظرية يفترض ان يوفر مثل هذا التحوير الجيني في حبة البطاطا طريقة بسيطة وسهلة لنشر المناعة بين النساء ولكن من خلال الطعام.وقد جرب العلماء من جامعات روتشير كورييل وتولين البطاطا المعدلة وراثيا على فئران في المختبر وكان على نحو شبيه بحماية الانسان من فعالية الفيروسات التناسلية.ويشير الدكتور روبرت روز الى ان الفاعلية اللقاحية للبطاطا ستكون عالية جدا في حماية النساء من الأمراض التناسلية في البلدان النامية، خاصة وان الوفيات من سرطان الرحم تبلغ نحو ثمانين في المئة من اجمالي الاصابة بالسرطان، ولا يوجد في الوقت الحالي لقاح فعال ضد الفيروسات التي تصيب الرحم كما ان الوسيلة الوحيدة لتجنب الاصابة تتمثل في استخدام الواقيات خلال الاتصال الجنسي كما يقول د. روبرت روز.كما يدرس الباحثون الاميركيون الان امكانية استخدام الموز كحامل للقاحات فهو افضل من ناحية كونه يؤكل نيئا وليس كالبطاطا التي يجب ان تطهى مما يقلل من فاعلية اللقاح.

أرز لتقوية البصر ومكافحة الانيمياتمكن العلماء من انتاج ارز معدل وراثيا يتميز بقيمة غذائية تساعد على التغلب على النقص الخطير لفيتامين «A» وذلك باستخدام الهندسة الوراثية.ويقول البروفيسور انجو بوتر بكوس في «معهد التكنولوجيا» بزيورخ في سويسرا انه يمكن عمل الشيء نفسه في القمح، والشعير ومحاصيل اخرى.وهذا يعني ان الاطفال الذين يصابون بعاهات شديدة نتيجة نقصي هذا الفيتامين واخطرها فقدان البصر، ويصل عددهم إلى نحو 124 مليون طفل يمكن حمايتهم من هذه العاهات.وقد توصل فريق من الباحثين في هذا المعهد إلى ادخال نوعية من الجنيات تجعل الارز غنيا بمادة الحديد، وهو ما يعني القضاء على فقر الدم «الانيميا» في العالم.

تفاح وفراولة يمنعان تسوس الأسنانيقول البروفيسور ديفيد جيمس من المعهد الزراعي الدولي ان التفاح والفراولة المعدلة وراثيا يمنعان تسوس الاسنان، ويعالجان المتضررة منها.ويقول البروفيسور ديفيد جيمس ان عدم تمسك مزارعي الفواكه في بريطانيا بمثل هذه التكنولوجيا قد يجعل مستقبلهم الزراعي الدولي يبدو قاتما. وأكد في مهرجان العلوم ان العلماء يعملون ايضا على تحسين انتاج فواكه تساعد على تحسين الصحة، وهو يتعاون مع الباحثين في مشروع يهدف إلى تطوير علاج لمكافحة تسوس الاسنان يمكن تصنيعه من الفواكه.وقد توصل العلماء في مستشفى «جاي» في لندن إلى تحديد البروتين الذي يمنع التصاق البكتريا المسببة لتسوس الانسان، والهدف تصنيع هذا البروتين من الفواكه وسيؤدي إلى تحويل التفاح والفراولة إلى منتجات لعلاج تسوس الاسنان.

بن من دون كافييننشرت مجلة نيتشر بحثا يفيد ان الباحثين في معهد «نارا» للعلوم التكنولوجية في اليابان انتجوا حبوبا من البن «القهوة» معدلة وراثيا «جينيا» تحتوي على كمية أقل من الكافيين.لكن مذاقه لا يختلف عن البن الطبيعي وهذا النوع من البن الحالي من الكافيين يجنب شاربه التوتر والارق والسهر وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم.كما يمكن للحوامل ان يتناولن القهوة المصنوعة من هذا البن المعدل وراثيا دون خوف على الجنين.

حليب ينقذ الأطفال من الموتاستخدم بنجاح حليب مستخرج من ارانب معدلة وراثيا لمعالجة اطفال مصابين بمرض عضوي خطير يمكن ان يؤدي إلى الموت.والمرض الذي يعرف باسم «مرض بوبي» عبارة عن خلل في الجهاز العضلي للطفل ناتج عن نقص في نوع من الانزيمات يعرف باسم «كلكو سايدس» وتتدهور صحة الاطفال الذين يتعرضون لهذا المرض بسرعة شديدة، وهم يموتون عادة قبل ان يتموا عامهم الأول.

تفاح يحمي من تسوس الأسنان