لطالما وضعت الدول الأوروبية عينها على «الفلوس» والاستثمارات الخليجية، التي شكلت رافعة أساسية لاقتصاديات تلك البلدان في ظل الأزمات المالية التي عصفت بها.قطاعات عديدة، أبرزها العقارات والفنادق والمصارف والمطاعم والمتاجر الفاخرة، نالت حصة الأسد من هذه الأموال والاستثمارات طيلة العقود الماضية، إلى أن ظهر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة «ترف» من نوع آخر... كرة القدم.رجال أعمال كويتيون وقطريون وإماراتيون وبحرينيون دخلوا هذا المجال من أوسع أبوابه، مستغلين قدراتهم المالية الهائلة، وشغفهم باللعبة الأكثر جماهيرية حول العالم من جهة، أما الأهم من هذا وذاك فهو «البزنس» والعوائد الخيالية التي سيجنونها من خلال الاستثمار في عالم الساحرة المستديرة.الخليفيقبل سنوات قليلة فقط، كاد نجم فريق العاصمة الفرنسية الأبرز (باريس سان جيرمان) يخبو ويأفل، إلا أن أموال الملياردر القطري ناصر الخليفي (تبلغ ثروته 10 مليارات دولار) أخرجت الفريق العريق - الغريق من غرفة العناية وأعادته إلى سكة الانتصارات والبطولات والأضواء مجدداً، فبعيد استحواذ الخليفي على «باريس سان جيرمان» أبرم الأخير سلسلة صفقات انتقال لاعبين مليونية، واستقدم مدرباً وطاقماً فنياً من الطراز الرفيع، حتى ظفر الفريق بلقب الدوري في غضون أشهر قليلة، كما أثبت وجوده في البطولات الأوروبية (بعد غياب طويل).آل نهيانالتجربة القطرية، سبقتها تجارب إماراتية في بريطانيا، من خلال استحواذ الملياردير الشيخ منصور بن زايد آل نهيان (تبلغ ثروته 20 مليار جنيه إستيرليني) على نادي «مانشتر سيتي»، الذي تمكن ممتطياً صهوة «الفلوس» الإماراتية من العودة وبقوة لتصدر المشهد عبر تحقيق ثنائية الدوري والكأس بعد عقود طويلة من الحرمان.الحساويالكويت من ناحيتها، لحقت بركب «بزنس الكرة» من خلال استحواذ رجل الأعمال فواز الحساوي على نادي «نوتنغهام فورست» الإنكليزى، مقابل 75 مليون جنيه إسترليني لتنضم عائلة الحساوي إلى قائمة الملاك العرب للأندية في القارة العجوز.ويعد «نوتنغهام فورست»، من أعرق الأندية الإنكليزية رغم غيابه عن دورى الأضواء منذ عام 1999، وسبق له الفوز ببطولة دورى أبطال أوروبا عامي 1979 و1980، كما حصد لقب كأس السوبر الأوروبي عام 1979، كما حقق العديد من الألقاب المحلية، أبرزها الفوز ببطولة الدورى الإنكليزى الممتاز (البريميرليغ) عام 1978.«طيران الإمارات»لم تقف التجربة الخليجية في الاستثمار بعالم كرة القدم عند المحاولات الفردية وشراء النوادي فقط، بل تعدتها لتشمل الشركات أيضاً، والتي سعت للترويج لنفسها ونشرها علامتها التجارية على الساحة العالمية من بوابة الرياضة.وفي هذا الإطار، أبرمت شركة «طيران الإمارات» صفقة رعاية مع نادي «أرسنال» اللندني، قيمتها 150 مليون جنيه إسترليني، مما يعني ان لاعبي الفريق (المدفعجية) سيواصلون ارتداء الملابس التي تحمل شعار الشركة حتى نهاية العام 2019.كما تنص الصفقة على أن يستمر ملعب «الارسنال» في شمال لندن بحمل اسم «الإمارات» حتى العام 2028، في حين سيجني النادي بموجب العقد المبرم ما يعادل نحو 30 مليون جنيه إسترليني سنوياً على شكل رعاية لبدلات الفريق وملعبه.«الاتحاد للطيرانأما منافستها شركة الاتحاد للطيران» فقد وقعت هي الأخرى، اتفاقية شراكة مع نادي «مانشستر سيتي» تمتد على مدى عشر سنوات، تم بموجبها تسمية ملعب النادي وجميع مرافقه باسم «ستاد الاتحاد»، بالإضافة إلى التعاون في مبادرات تجارية وإعلامية ومجتمعية، موسعين بذلك اتفاق شراكتهم التجارية القائمة منذ سنتين إلى حدود جديدة.وقد ذكرت صحف بريطانية أن القيمة الإجمالية للاتفاقية تقارب 10 ملايين جنيه استرليني لكل عام على مدى السنوات العشر، أي أن الإجمالي يصل إلى 100 مليون جنيه إسترليني.«القطرية»من جهتها، وقعت شركة الخطوط الجوية القطرية عقد رعاية مع نادي «برشلونة» حامل لقب الدوري الإسباني، مقابل 96 مليون يورو (128 مليون دولار)، بالإضافة لخمسة ملايين يورو أخرى يحصل عليها الفريق في حال الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا.وتتضمّن بنود العقد قيام الشركة بوضع إعلاناتها على واجهة ملعب النادي (الكامب نو)، بالإضافة للمقاعد ومتحف النادي بجانب رعاية قميص الفريق.«مؤسسة قطر»كما توصل «برشلونة» الى اتفاق مع مؤسسة قطر الخيريّة لرعاية الفريق في السنوات المقبلة، مقابل صفقة هي الأكبر في تاريخ اتفاقية رعاية ناد لكرة القدم في العالم، قيمتها 165 مليون يورو، قابل للزيادة حسب نتائج النادي.وبموجب شروط الرعاية، سيضع «برشلونة» على قمصان لاعبيه شعار مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع (Qatar Foundation)، مع الإبقاء في الوقت ذاته على شعار صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» الراعي الحالي للفريق.اتجاهان متناقضانانطلاقاً من الدخول الخليجي بشقيه الفردي والمؤسساتي إلى عالم «بزنس كرة القدم» كان لا بد من السؤال التالي، كيف أن تكون هذه التجارة رابحة في ظل ما تعانيه القارة العجوز (ما بعد عصر اليورو) من مشاكل وأزمات اقتصادية عصفت بالعديد من بلدانها بدءاً باليونان مروراً بقبرص وليس انتهاء بالبرتغال واسبانيا؟؟؟مفارقة، لا شك أنها تسترعي الانتباه وتثير التساؤلات حول قدرة الأندية والفراق الأوروبية في السباحة عكس التيار، وقدرتها ليس على الاستمرار فحسب، لا بل لجهة إيراداتها ومداخيلها وأرباحها القياسية إن لم نقل الخيالية!الإيراداتفي استعراض سريع للائحة ميزانيات وإيرادات أغنى 5 أندية حول العالم (كلها أوروبية)، يتبين أن إيرادات هذه الأندية مجتمعة تجاوزت في العام 2012 وحده مليارين ونصف المليار دولار، وهو بالمناسبة رقم يساوي 50 ضعفاً أو ربما أكثر، ميزانية دولة كجزر القمر، التي لا تتجاوز ميزانيتها السنوية 60 مليون دولار فقط.ولعل اللافت في هذه اللائحة (الميزانيات والإيرادات)، وجود ناديين اسبانيين ضمن الأندية الخمسة الأغنى على مستوى العالم (ريال مدريد وبرشلونة)، لا بل حتى ان الأول يتصدر هذه اللائحة كأغنى ناد على سطح البسيطة، برصيد إيرادات سنوية تخطى حاجز الـ 650 مليون دولار، وقيمة إجمالية ناهزت 3.3 مليار دولار، بينما يبدو الاقتصاد الاسباني وفق ما يؤكد صندوق النقد الدولي معرضا للتعثر نتيجة تفاعل تراجع الطلب الخاص والتعزيز المالي، ناهيك عن «المخاوف القائمة من تدهور ظروف السوق المالية أيضا مع زيادة تكاليف الاقتراض للحكومة والقطاع الخاص».أما رجل أوروبا القوي كما تسمى أي ألمانيا، وهي الدولة الوحيدة «القادرة والمقتدرة» اقتصادياً في القارة تقريباً، والتي تسير بعكس تيار الأزمات والديون، وتسجل نمواً مستمراً في مؤشراتها وأدائها المالي، ففريق واحد منها يدخل قائمة الخمسة الكبار، وهو «بايرن ميونيخ» برصيد إيرادات سنوية يبلغ نحو 468 مليون دولار، فيما القيمة الإجمالية للنادي تتجاوز 1.3 مليار دولار.أما المملكة المتحدة، فرغم أنها لم تنضم لمنطقة اليورو، إلا أنها تحجز مقعدين في صفوف «الخمسة الكبار» من خلال ناديي «مانشستر يونايتد»، و«أرسنال»، الأول برصيد إيرادات سنوية بنحو 502 مليون دولار، وقيمة إجمالية تقترب من حاجز 3.16 مليار دولار، والثاني بـ 368 مليون دولار إيرادات، وقيمة إجمالية لا تتعدى 1.32 مليار دولار.6 ملياراتفي المقابل، تشير اللائحة نفسها إلى أن إيرادات أغنى 20 ناديا حول العالم، تخطت عتبة الـ 6 مليارات دولار في 2012، أما قيمتها الإجمالية فتلك حسبة أخرى، إذ إن الرقم قد لا يصدق أو لا يبدو منطقياً بالنسبة للكثيرين، فهو ناهز الـ 19 مليار دولار، أي أنه يساوي ربما 500 ضعف ميزانية جزر القمر. على أي حال، وبصرف النظر عن هذه الأرقام التي يجزم الكثيرون بأنها غير صحيحة، باعتبار أن القاعدة الاقتصادية الشهيرة تؤكد أن الشركة أو المؤسسة وحتى المستثمر، لا تعطي أرقاماً حقيقية لمدخولاتها، خوفاً من زيادة الضرائب عليها، وبالتالي فإن ما خفي كان أعظم، ولكن ما يهمنا في هذا السياق تسليط الضوء على المفارقة الواضحة في عجز الاقتصادات الأوروبية، في حين أن فرق القارة تعيش تخمة مالية قد تودي بها إلى الانفجار.وفي هذا الإطار، فإنه من الطبيعي وربما البديهي التساؤل، كيف يمكن لهذه الأندية والفرق أن تجني مثل هذه الأرباح؟، وهي في نهاية المطاف مؤسسات صغيرة، المستثمرون فيها محدودون، تعتمد في مداخيلها على تذاكر دخول الملاعب لحضور المباريات، إلى جانب عقود الرعاية، فضلاً عن بيع بعض المنتجات الخفيفة الخاصة بها من ألبسة وشعارات وإلى ما هنالك». ولنسلم جدلاً بأن أنظمة هذه الأندية المالية سليمة وشفافة، وهي بالفعل تجني كل هذه الأموال الطائلة من خلال كل ما تم ذكره سابقاً، بالإضافة إلى ما تفوز به من جوائز مالية من الاتحادات المحلية والإقيلمية والعالمية ناهيك عن المراهنات وما أدراك ما المراهنات، يبقى السؤال الأهم، لماذا أندية كرة القدم تحديداً دون غيرها، إذ إن مجمل القطاعات الاقتصادية من مصارف وبنوك مروراً بشركات تصنيع سيارات وشركات هواتف عالمية، ومصانع ومعامل صغيرة وكبيرة، تعاني في المنطقة الأوروبية، حتى ان العديد منها، لا بل جلها لجأت إلى طرد الموظفين لانها لم تعد قادرة على دفع أجورهم ورواتبهم.125 مليون دولاربيد أن ذلك كله وإن صح، فهو لا يعني أن يقوم أحد هذه النوادي بدفع ما يزيد على 125 مليون دولار للحصول على خدمات لاعب بصرف النظر عن قدرات ومهارات هذا اللاعب، فـ «ريال مدريد» حطم الرقم القياسي لأغلى صفقة في تاريخ كرة القدم من خلال شراء الويلزي غاريث بيل.ليس هذا فحسب، فريال مدريد نفسه، ومنافسه الاسباني اللدود برشلونة، يدفعان رواتب سنوية لنجميهما البرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي تزيد قيمتها على 40 إلى 45 مليون دولار.الخلاصةيبدو أن كرة القدم تحولت من مضمار الهواية إلى الاحتراف الكلي، حتى أنها باتت تجارة خالصة تتخطى أبعاد الحماس والإثارة وشغف الجماهير، وهو ما دفع العديد من رجال الأعمال العالميين، والخليجيين على وجه الخصوص لخوض غمار هذه التجارة، وتحقيق مكاسب مادية جديدة تضاف إلى ثرواتهم الطائلة، وتسجيل هدف جديد في مرمى إنجازاتهم «البزنيسية» التي لا تعد ولا تحصى!
اقتصاد
الأموال الخليجية تحيي أندية الكرة الأوروبية
القارة «العجوز» تعيش أسوأ أيامها اقتصادياً
11:45 م