غداة إخفاق محاولة متقدمة لتعويم حكومة تصريف الاعمال التي اصطدمت برفض رئيس الجمهورية ميشال سليمان توفير اي بُعد لهذه المحاولة من شأنه ان يضعف اكثر موقع الرئيس المكلف تمام سلام، بدا واضحاً ان ثمة غيوماً ملبدة تحتقن في المواجهة السياسية الحادة التي يشهدها لبنان والتي تُقبِل على فصول أشدّ احتداماً.في كواليس قوى 14 آذار هذه الأيام، تدور مشاورات كثيفة غير معلنة في اتجاهات مختلفة. وهذه القوى التي أحيت أمس الذكرى الثامنة لاغتيال النائب جبران تويني، تستعدّ ايضاً لعقد مؤتمر واسع الأحد في طرابلس، لإطلاق مواقف وُصفت بانها مهمة من محنة المدينة سعياً الى اعادة النصاب الى القوى المعتدلة فيها.في الوقت نفسه تُدرِج أوساط بارزة في فريق 14 آذار الزيارة الخاطفة التي قام بها وفد من كتلة «المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة لباريس اول من امس حيث التقى الرئيس سعد الحريري بطلب من الاخير في اطار المشاورات الجارية لتكوين موقف جامع من الاستحقاقات الكبيرة التي ستطل عليها الساحة الداخلية ولاسيما الملف الامني وملفي الحكومة الجديدة وانتخابات رئاسة الجمهورية، ناهيك عن استحقاق انطلاق المحاكمات في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي في 16 يناير المقبل.ويلحظ المطلعون على أجواء 14 اذار استعدادات لرفع وتيرة المواجهة حيال ما تعتبره هذه القوى محاولة من «حزب الله» لمنع تشكيل حكومة جديدة بقصد الإبقاء على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وجعلها سيفاً مصلتاً على الاستحقاق الرئاسي والدفع نحو إحداث فراغ في رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية سليمان في 25 مايو المقبل.وتنفي الاوساط المطلعة في فريق 14 اذار عبر «الراي» كل ما يشاع في الاعلام القريب من «حزب الله» عن مضي «تيار المستقبل» في التمهيد للتمديد لسليمان، عازية هذه المزاعم الى رغبة الفريق الآخر في افتعال ذرائع اضافية لإفهام سليمان برفض «حزب الله» للتمديد، رغم تشديد رئيس الجمهورية عشرات المرات على انه ليس في وارد القبول باي اتجاه للتمديد.وتقول الاوساط نفسها ان مجمل هذه المناورات تهدف الى تكوين مناخ ترهيبي لسليمان وسلام لان قوى 8 آذار تعتقد ان المرحلة الفاصلة عن 25 مارس المقبل، تاريخ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية (تنتهي في 25 مايو)، ستشهد اندفاع سليمان وسلام نحو تشكيل حكومة امر واقع. واذ لا تنفي اوساط 14 آذار هذا الاحتمال بل انها تبدو مؤيدة له باعتباره ضرورة دستورية وسياسية، الا انها تتساءل عما سيكون عليه موقف سليمان وسلام من محاولات الابتزاز التي يتعرضان لها، وعما اذا كانت هذه الضغوط ستبقى في الاطار السياسي ام تتعداه الى افتعالات أمنية، موضحة ان المشاورات بين قوى 14 اذار تتناول كل الاحتمالات والسيناريو الواجب اتخاذه للمواجهة.الى ذلك، تلفت الاوساط نفسها الى دخول عامل المحكمة الدولية بقوة على خط حسابات الفريق الآخر ولا سيما منه «حزب الله» الذي ستتم محاكمة اربعة منه غيابياً ابتداء من 16 يناير، الى جانب متهَم خامس سيلتحق بالمحاكمة في مرحلة لاحقة، متوقفة عند التزامن بين فتح ملفيْ الحكومة والاستحقاق الرئاسي وانطلاق المحاكمات في يناير المقبل.وفي رأي هذه الاوساط ان ثمة «حشْرة» كبيرة بدأ يستشعرها «حزب الله» جراء تحديد موعد انطلاق المحاكمة، متوقّعة محاولات كثيرة ولكن عقيمة للتشويش على المحاكمات والسعي الى تشويه القرار الاتهامي الذي تستند اليه في اتهامها العناصر الخمسة من الحزب. وهي تدرج في هذا الاطار حصراً المقابلة التي بثتها محطة «الجديد» التلفزيونية مع احد المحققين السابقين في لجنة التحقيق الدولية السويدي بو استروم الذي شكك في تورط رئيس فرع المعلومات السابق في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن (اغتيل قبل اكثر من عام) في اغتيال الحريري انطلاقاً من تغيّبه عن موكب الاخير يوم 14 فبراير 2005، وهي الادعاءات التي كذّبها رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق ديتليف ميليس (كان استروم من فريقه)، معلناً ان «الحسن لم يكن في اي مرة خلال ولايتي مشتبهاً به في القضية» وواضعاً ما قاله أستروم في سياق «وجهة النظر والأفكار الخاصة»، وذلك بعد البيانين العنيفيْن اللذين صدرا عن كل من سعد الحريري والمدير العام السابق لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي وردّا فيهما على ما جاء في تقرير «الجديد».وفي اعتقاد الاوساط السياسية في بيروت ان مجمل هذه الاجواء تشير بوضوح الى ان السنة الجديدة ستنطلق على وقع احتدام كبير سيكون انعكاساً للاحتدام الاقليمي ايضاً. وفي ظل ذلك، تجري الاستعدادات لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى لدى قوى 14 اذار، التي رغم كل المعطيات المعقدة التي تعترضها، تبدو متجهة الى رسم سيناريو شامل ومتعدد الاتجاهات لهذه المواجهة الحاسمة.ويترافق هذا الحِراك على خط قوى 14 آذار، مع لقاءات بين مختلف الاطراف المسيحية برعاية البطريركية المارونية وذلك في محاولة للتوصل الى قواسم مشتركة في مقاربة الاستحقاق الرئاسي في الدرجة الاولى بما يساهم في قطع الطريق على الوصول الى الفراغ في موقع الرئاسة (الماروني)، مع ما يمكن ان يعنيه ذلك هذه المرة من فتح الباب امام «أزمة نظام» يمكن ان تفضي الى المس بمرتكزات المناصفة المسيحية - الاسلامية، وسط استحضار دوائر مراقبة ان الفراغ في سدة الرئاسة العام 1988 انتهى باتفاق الطائف الذي أدخل تعديلات دستورية لمصلحة المسلمين على قاعدة المناصفة وانتزاع صلاحيات من رئيس الجمهورية وتجييرها الى مجلس الوزراء مجتمعاً، في حين افضى عدم التمكن من انتخاب خلَف للرئيس اميل لحود العام 2007 الى «اتفاق الدوحة» الذي وضع، وإن ضمنياً، «حجر الأساس» لمثالثةٍ مسيحية - سنية - شيعية (من خلال الثلث المعطل في الحكومة) ما زالت «مقنّعة» وتتم «بالواسطة» ويُخشى ان يفضي «فراغ الـ 2014» الى تكريسها دستورياً مع فرض وقائع اخرى تطيح عملياً بالصيغة اللبنانية.

«حزب الله» اتّهمه بـ «مخالفة الدستور»

سليمان: لبنان يُحكم من بعبدا وليس حارة حريك

| بيروت – «الراي» |يتصاعد السجال في بيروت بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبين «حزب الله» على خلفية عناوين عدة بينها مشاركة الحزب بالقتال في سورية واتهامه السعودية بالتفجير الانتحاري امام السفارة الايرانية، الى جانب ملفيْ الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية.ويعكس التراشق غير المسبوق بين رئيس الجمهورية و« حزب الله» والذي بلغ حد نقل تقارير عن سليمان «أن لبنان يُحكم من بعبدا (حيث مقر الرئاسة) وليس من حارة حريك (حيث مقر قيادة «حزب الله»)» حساسية اللحظة السياسية المفصلية في لبنان مع بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية في ظل غياب حكومة جديدة ومحاولة «8 آذار» تعويم حكومة تصريف الاعمال لتكون «الحكومة الرئاسية» في حال لم يحصل الاستحقاق الرئاسي مقابل احتفاظ سليمان بورقة توقيع مرسوم حكومة جديدة قبيل بدء المهلة الدستورية لانتخابات الرئاسة فإما تنال ثقة البرلمان قبل تحوله هيئة ناخبة ابتداء من 25 مارس، وترعى الاستحقاق الرئاسي او تصبح هي حكومة تصريف الاعمال وتتولى مهمات الرئاسة (في حال تعذر انتخاب رئيس جديد) من ضمن هذا السياق.وكان بارزاً امس، تولي نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الرد على دعوة سليمان قبل ايام إلى «تشكيل حكومة جديدة ترعى الانتخابات الرئاسية حتى لو لم تحصل على الثقة، وجازماً: «عندما أوقّع المرسوم تصبح الحكومة قائمة»، واصفاً هذا الامر بانه «مخالف للدستور».وقال قاسم: «المفاجأة أن يطرح رئيس الجمهورية ميشال سليمان تشكيل حكومة جديدة ترعى الانتخابات الرئاسية، حتى ولو لم تحصل على الثقة، وهذا الأمر مخالف للدستور، فالحكومة التي لن تنال الثقة لا تتسلم من حكومة تصريف الأعمال، فلا يصل الدور إلى رعايتها للانتخابات الرئاسية لأنها منعدمة الوجود القانوني، ومثل هذا المسار يدخل البلد في النزاع والانقسام والفوضى، بينما الأجدى هو بذل الجهد لتشكيل حكومة وطنية جامعة تنال ثقة المجلس النيابي وتقوم بواجباتها، ومنها رعاية الانتخابات الرئاسية، وحبذا لو يتم ذلك اليوم قبل الغد»، مكرراً تأييد حكومة وفق تركيبة 9-9-6 اي التي يحصل فيها فريقا 8 و 14 آذار على الثلث المعطّل.