واصل الرئيس اللبناني ميشال سليمان تدعيم «حائط الصدّ» السياسي - الدستوري الذي أرسى ركائزه في الأيام الأخيرة، في محاولةٍ للضغط في اتجاه إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في مواعيدها الدستورية وتشكيل الحكومة الجديدة بهدف قطع الطريق على تولي «حكومة اللون الواحد» الحالية (والمستقيلة) صلاحيات الرئاسة اذا اقتضت الظروف الاقليمية، المحكومة حتى الساعة بعدم «انقشاع الرؤية»، القفز فوق الاستحقاق الرئاسي الذي لن يكون «الإفراج» عنه في اي حال الا نتيجة تفاهمات خارجية تعيد وضع الواقع اللبناني برمّته «تحت مظلة» اقليمية دولية تفرزها التحولات المتلاحقة في المنطقة.ففي غمرة «الهجوم» المزدوج لفريق 8 آذار على جبهتيْ تعويم حكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي عبر السعي لاستعادتها جلساتها من باب «المواضيع الملحة» و«تهشيم» دستورية اي حكومة يشكّلها رئيس الجمهورية «في ربع الساعة الاخير» لولايته تحت عنوان انها لا يمكن ان تكون «حكومة رئاسية» ما لم تكن نالت ثقة البرلمان (يتحول من 25 مارس هيئة ناخبة)، جاءت «مفاجأة» الرئيس سليمان الجديدة سريعة اذ اعلن أن «لا حالة طوارئ تستدعي عقد جلسة لمجلس الوزراء»، مؤكداً ان «الانتخابات الرئاسية ستحصل وسيكون هناك رئيس جديد»، وداعياً إلى «تشكيل حكومة جديدة ترعى الإنتخابات الرئاسية حتى لو لم تحصل على الثقة»، وجازماً: «عندما أوقّع المرسوم تصبح الحكومة قائمة، ويبقى السؤال: بماذا تنوب عن الرئيس، هل في تصريف الاعمال أم في كل شيء؟».وشكّلت هذه المواقف للرئيس اللبناني امام عدد من الصحافيين امس «جرعة» اضافية في السياق التصاعدي الذي يعتمده إزاء ثباته على رفضه التمديد وتمسكه بالانتخابات الرئاسية في موعدها وبعدم تسليم لبنان بحال اصبح إجراؤها متعذرا للفراغ او لحكومة لا تمثّل كل الاطراف ويمكن ان تقود البلاد في مرحلة مفصلية من تاريخها.وأرفق سليمان تصدّيه لمحاولات تعويم الحكومة المستقيلة، بتكرار موقفه المُدافع عن السعودية والذي اعلنه بحسم غداة اتهام الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله لها بالوقوف وراء التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الايرانية في بيروت قبل ثلاثة اسابيع، اذ عاود امس اعلان: «انا مقتنع تماماً بصوابية دفاعي عن السعودية امام الاتهامات التي طالتها»، سائلاً: «هل هناك خطأ في ما اعلنته عن المملكة؟ ولماذا ذهب الرئيس نبيه بري الى ايران؟ أليس لمحاولة تقريب وجهات النظر بين ايران والسعودية؟ وهل اذا قلنا ان السفارة السعودية هي مَن فجرت السفارة الايرانية نكون نصلح بينهما، خصوصا ان ايران اتهمت اسرائيل بهذا التفجير؟ فهل يجوز ان أخلفهما على أرضي من دون دليل؟ أنا رئيس الدولة، فلماذا لم أُزوَّد بالادلة قبل توجيه الاتهام؟ موقفي ينطلق من واجبي كرئيس للدولة».وبحسب دوائر سياسية في بيروت، فقد بدا سليمان في اندفاعة «الهجوم الاستباقي» على خطيْ الانتخابات الرئاسية والحكومة و«الدفاع المكرَّر» عن السعودية، وكأنّه يوجّه رسالة في اكثر من اتجاه داخلي ولا سيما نحو فريق 8 آذار الذي انبرت قواعده الى حملة غير مسبوقة على سليمان عبر مواقع التواصل الاجتماعي غداة ردّه على السيد نصر الله، وهو ما عكس ان الرئيس اللبناني قرر ان يطلق «حصان» الاستحقاق الرئاسي ويتصدى في الوقت نفسه لمحاولات وضع «عربة» تعويم الحكومة المستقيلة امامه في اطار مساعي قوى 8 آذار لضمان ملاقاة هذا الاستحقاق بوضع من الفراغ الكامل تدفع معه الى «ازمة نظام» تطيح بمرتكزات الصيغة اللبنانية.واستبق رئيس الجمهورية بموقفه الاتصالات التي سيجريها ميقاتي مع رئيس البرلمان نبيه بري بعد عودته (ميقاتي) من جوهانسبورغ التي توجه إليها للتعزية برئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا، من دون ان يُعرف اذا كان رفع سليمان «البطاقة الحمراء» امام ايّ ضخ للحياة في «الحكومة الميتة» الا «إذا كان هناك سبب اضطراري مثل طلب الجيش او وزير الدفاع اعلان حالة الطوارئ»، سيفضي الى «حرب صلاحيات» بينه وبين الرئيس ميقاتي.ذلك ان رئيس حكومة تصريف الاعمال كان اعلن ان «تصريف الأعمال يكون لفترة قصيرة، فيما نحن دخلنا الشهر الثامن، وليس ثمة ما يؤشر الى اننا قد لا ندخل الشهر التاسع والعاشر وربما اكثر، وبالتالي الوضع لم يعد يحتمل، وبات يتطلب القيام بخطوات ومبادرات»، موضحاً: «أنا جدي جداً في إعادة إحياء جلسات مجلس الوزراء، وأعتقد أنه لا يوجد أي مانع قانوني أو دستوري يمنعني من أن أمارس صلاحياتي كاملة».وأشار الى أن «ثمة اموراً تهم الدولة والناس باتت اكثر من ملحة، ولا ينطبق عليها منطق الموافقات الاستثنائية بل تتطلب مجلس الوزراء، وثمة عشرات لا بل المئات من هذه الامور التي تتراكم في الأدراج».وفي موازاة ذلك، ووسط استمرار الهدوء في طرابلس على وقع مواصلة الجيش اللبناني خطته الامنية، برز تطور قضائي تمثل في تسلُّم قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا، ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على رفعت عيد (نجل الامين العام للحزب العربي الديموقراطي علي عيد) في جرم تهديد شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي و«تحليل دمها»، ويعكف على دراسته تمهيدا لمباشرة التحقيقات والقرارات التي يقتضيها التحقيق.ويُذكر ان توقيف رفعت عيد ووالده علي عيد (مطلوب للتحقيق بتهريب متهَم رئيسي في تفجيريْ المسجدين في طرابلس في 23 اغسطس) هو من المطالب الرئيسية لاهالي التبانة (السنية) تحقيقاً لـ «العدالة المتوازنة» ومن الاسباب التي ادت الى اندلاع المواجهات الاخيرة مع منطقة جبل محسن (العلوية).