عندما أختلس من حقب زماني أراني أجلس مع نفسي جلسة الصفاء الذهني لأمكث لحظات الهدوء والسكينة من زحمة أفكاري وأعمالي للتفكر والتأمل، عندها أرى الكثير من التساؤلات تجول وتطوف في فكري وتشغلني، وغالبا ما تكدر هذه التساؤلات صفو ذهني وتجعلني أفكر بشراسة وعمق لأجد جوابا عما يدور بعقلي أو ما يُسكن براكين التساؤلات التي تفور وتتألب بداخل جمجمتي.ومن هذه التساؤلات التي تراودني منذ عهد بعيد وبشكل مستمر لماذا تحديث الفكر أو تجديد العقل يفقدنا هويتنا؟ يفقدنا هويتنا التي تمثل ذواتنا، فكيف بشخص ما يفقد ذاته، أي يصبح بلا شخصية، أي بلا فكر ومعرفة وبلا مشاعر بل وبلا سلوك، أي يصبح من الأحياء الأموات. هل لأن المجتمع أصبح يعيش من دون مقاييس؟ أي من دون قواعد معقولة ومقبولة سواء كانت هذه المقاييس روحية أو عقلية أو مادية.هل لقولبة المدنية بقوالب لا تشكلها؟ لأن المدنية هي ثمرة وعائد الثقافة وهي ثمرة تطور تاريخي طويل تترسخ فيه القيم الاجتماعية وتتبلور فيه التوازنات الروحية والمادية وتستقر فيه الأوضاع الاجتماعية. هل لأننا لم ننطلق من قواعدنا وقواسمنا المشتركة الثابتة المستقاة من الدين لتجديد وتحديث عقولنا وأفكارنا؟، هل للنظرة السقيمة المتحيزة لما استلهمناه من مبادئ وقيم وقواعد إنسانية مشتركة من الشريعة والملة؟، هل لأننا أضعنا البوصلة الربانية التي ترشدنا لتقييم وتقويم بما نُحّدث به أفكارنا ونجدد به عقولنا؟، هل لتخبطنا باختيار العلم الملائم لمستوى أفهامنا وإدراك عقولنا؟ليتم التحديث والتجديد بما لا يتصادم مع هويتنا وذواتنا ولا يتعارض مع مطلب المعاصرة والحداثة وبما يتناسب مع معطيات العصر وأصول الدين. هل لأننا لا نملك الأهلية والاستطاعة على تقييم وتنقيح وتقويم المواد العلمية التي تغذي عقولنا؟، هل لأننا نستقي أفكارنا من العلوم التي لا تستند على حقائق مدركة بل على خبرات من صنعها وأنتجها؟ وغالبا ما تكون خبرات ليس لها جذور وأصول تنطلق منها.هل لأن المفاهيم اختلطت وامتزجت ففقدنا التمييز في ما بينها وسقنا أنفسنا وغيرنا إلى هاوية الردى بالتخلي عن هويتنا التي تمثل ذواتنا؟ هل لأننا تعرضنا لغزو فكري وثقافي خارجي من دون أن نحصن ونقي أنفسنا من دائه وسقمه؟ هل للانحلال الدائم من الأطر الاجتماعية؟ هل للتحرر من منهاج العادات والتقاليد السائدة في المجتمع؟ هل لأننا ننشد المثالية المزيفة في تطوير وتنمية أفكارنا؟ هل لتفكك وتحلل النظم والمبادئ والمصادر الفكرية والمادية والروحية؟وفي الختام... نقول... هل شرط عندما نغذي عقولنا بالفكر والمعرفة لنرتقي ونساير مطالب الحداثة بما يتوافق ويتواءم مع قناعاتنا ومبادئنا وخبراتنا التي استقيناها من ثوابت وأصول الدين لنجدد أفكارنا ونصنع وننتج مفاهيمنا ورؤانا أن ننسلخ ونتنازل ونتجرد من هويتنا التي تمثل ذواتنا؟! سأترك الإجابة لقارئي العزيز.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib