خلال دراستي الجامعية سجلت في مادة (المحادثة)، وطلب منا المدرس تقديم اقتراحاتنا لمواضيع نتناقش فيها في الفصل، فاقترحت مناقشة مشكلة الفقر العالمية، بينما اقترح طالب آخر مناقشة مشكلة السكن الداخلي في جامعتنا، وحاز اقتراحه على قبول غالبية الطلبة وفشل اقتراحي.اكتشفت بعدها بأن ما يهم الناس هو مشاكلهم الداخلية حتى لو احترق العالم كله.نشرت مجلة النيوزويك الاميركية تقريرا عن مخاوف ارتفاع أسعار النفط إلى مئتي دولار في غضون 6 إلى 24 شهرا وما يمكن ان يترتب عليه من مشاكل عالمية كثيرة، فمستوى التضخم سيتضاعف بدرجات كبيرة، لا سيما في البلدان النامية، وسينتقل العالم إلى التجارة الإقليمية وتنهار العولمة بسبب ارتفاع تكاليف نقل البضائع، وسينهار كثير من الشركات الاميركية مثل شركات السيارات وشركات الطيران، وستشهد أوروبا وآسيا والولايات المتحدة إفلاسات كثيرة لشركاتها، وسيحد الاميركان من تجوالهم بالسيارات وكذلك في أوروبا، وكذلك سيقل انفاقهم على الاثاث والملابس والأدوات المنزلية وهكذا.طبعا فاننا في بلدان الخليج قد لا نتأثر بكل ذلك بل سنزداد ثراء بفضل ذهبنا الاسود، فهل نقول بأن مصائب العالم عندنا فوائد؟! التقرير يشير الى امكانية ذلك حيث سترتفع قيمة مخزون النفط في دول الخليج الى 95 تريليون دولار (3 ملايين دولار لكل فرد) وهذا سيجعل الصناديق الاستثمارية السيادية للبلدان النفطية شديدة النفوذ، وقد يصبح الشرق الأوسط جزءا من العالم الحديث إن تم استثمار هذا المدخول بذكاء.لكن كما هي لعنة الفراعنة لكل من أراد الاستيلاء على كنوزهم المدفونة، فإن ذلك الكنز الاسود له ضريبته كما أورد التقرير، فان نقل تلك التريليونات من الدولارات من مستهلكي النفط إلى منتجيه من شأنه تعزيز نفوذ الحكام الاستبداديين لبلدان منتجة للنفط مثل ايران وفنزويلا وروسيا، وستشهد مناطق الشرق الاوسط سلوكا اكثر عدائية وعمليات استعمارية من قبل بلدان مختلفة، وسوف يراق المزيد من الدم حتما، فالثراء النفطي يخرب اقتصاد البلدان وسياساتها، ولا يشجع على التنوع، ويفاقم الخلافات الاثنية ويسهل تمويل حركات التمرد.ويبين التقرير بأن ثلث الحروب الأهلية في العالم تجري في البلدان المنتجة للنفط بعدما كانت الخمس عام 1992.بالطبع فان ذلك التقرير قد لا يعكس التوقعات دون نظرة تشاؤمية، ولكن يجب على بلدان الخليج أن تعد العدة للفترة القادمة وتسعى لاستغلال الثروات المتوقعة بأحسن ما يمكنها وتأسيس مصادر دائمة للدخل، ولا بد لها من تعزيز أمنها، فالقادم أشد مرارة مما فات، وأهم عمل تقوم به لتعزيز امنها هو الوحدة بين دول الخليج ورص الصفوف، ويكفينا تلك الحواجز المصطنعة والتمسك بالكراسي، فالعالم لا يعترف اليوم بتلك الكيانات المجهرية أمثال بلداننا الصغيرة التي مهما بذلت من جهود فلن تستطيع بناء دولتها أو تحصين حدودها!!

د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com