تاريخ الكويت السياسي من أعرق التواريخ الموجودة في منطقة الخليج العربي، علاوة على تواجد حقيقي للحياة الديموقراطية التي ترسخت على ما يزيد على أربعين عاما مضت مرت بها الكويت بتجارب سلبية وايجابية تمخض عنها توجه سياسي قد يكون في مرحلة من المراحل ناضجا وقد يكون في مراحل عدة يحتاج إلى مزيد من النضج السياسي ان جاز لنا التعبير في هذا المقام.ولعل من أبرز هذه الأمور السياسية التي نشاهدها خلال العامين الحالي والماضي هو تولي حقيبة وزارة النفط لخمسة وزراء حتى تاريخ كتابة هذا المقال، فمنذ يناير 2006 كان يرأس هذه الوزارة الشيخ أحمد الفهد ثم تلاه الشيخ علي الجراح وقبل أشهر عدة أسند زمام الأمور للمهندس محمد العليم، وقبل أيام اوسدت هذه الوزارة إلى الأخ بدر مشاري الحميضي وزير المالية السابق الذي أتى اليها تدويرا إثر استجواب ثار حوله لغط كثير تم نقله الى هذا المنصب النفطي المهم كوزير للنفط، والذي اجبر على الاستقالة وتم تعيين المهندس محمد العليم وزيرا للنفط بالوكالة.ولعل الجميع يشاطرني الرأي بأن النفط هو المنتج الذي يعتمد عليه الاقتصاد الكويتي بنسبة تفوق 96 في المئة وانه هو الشريان الحقيقي لاقتصاد هذا البلد منذ وقت طويل، إذ يعتبر النفط رأس المال الحقيقي لدولة الكويت، ولهذا الأمر بالغ الأهمية بأن نتوجه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد آملين إعادة النظر في اجراءات العمل السياسي في هذه الوزارة الفنية الاقتصادية البحتة التي تندرج تحت مسؤوليات وزيرها مهام عدة قُدر لها ان تكون وثيقة الاتصال بالربط السياسي الذي تعاني منه كل حكومة كويتية سواء كانت في السابق أو في الوقت الحاضر أو في المستقبل القريب.فالمشكلة أن وزير النفط يرأس الوزارة ومحاسب سياسيا عن أداء الشركات النفطية المملوكة للدولة والتي تهتم بعملية الانتاج والتكرير والنقل والتسويق النفطي، وبما ان علاقة الشركات النفطية هي علاقة وثيقة مع الدول المستوردة للنفط الكويتي، فبالتالي أي حدث سياسي داخلي محلي من شأنه ان يعكر صفو هذه العلاقات الاقتصادية والروابط الوثيقة فيما بينها وبين الشركات التي تتعامل معها، علاوة على تعدد اسناد هذه الوزارة الى عدد من الوزراء خلال فترة وجيزة جدا. فعلى سبيل المثال تولى هذه الوزارة خمسة وزراء خلال عام ونصف العام، ولعل السبب الأبرز الذي يعوق هذا الأمر في عمل وزير النفط بحكم الرقابة الممنوحة لمجلس الأمة من الدستور الكويتي، والتي قد يكون لها في بعض الأحيان تأثيرات سلبية على نشاط هذه الشركات النفطية، ما تسبب في سوء الأداء والانجاز وتعطيل بعض الأمور التي تحتاج صفة الاستعجال في اتخاذ القرارات كونها شركات تعمل وفق نظم تجارية كما هو موضح بمراسيم وقرارات تأسيسها.لذا نتوجه بنداء وطني لسمو الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء بتكليف جهة فنية عالمية ذات خبرة عالية بدراسة فصل تبعية شركات القطاع النفطي عن مسؤولية وزير النفط حتى يتسنى لها العمل بأريحية وجودة وبكفاءة عالية تستطيع من خلالها فعاليات القطاع النفطي القيام بواجبها في تحقيق الأهداف المرجوة من وجودهم في هذه الشركات، وذلك لمصلحة دولة الكويت ومواطنيها بالدرجة الأولى، لان عمر القطاع النفطي يزيد على ستين عاما، والقطاع ما زال يزخر بكفاءات ممكن ان تصل الى الأهداف المرجوة متى اتيح لها العمل بالحرية المطلوبة كما هي الحال في الشركات النفطية الناجحة (أرامكو - بتروناس الماليزية -...).وكما أسلفنا ان هناك بعض التدخلات التي مرت على تاريخ الكويت النفطي هي تدخلات ساهمت في اعاقة مسيرة تطور القطاع النفطي في الكويت، وهذا لا يمنع مع وجود وتفعيل أداة الاشراف والرقابة المتمثلة برقابة ديوان المحاسبة على هذه الشركات النفطية، باعتبارها شركات خاضعة لقانون الشركات التجارية والقوانين ذات العلاقة وتعديلاتها والقرارات الوزارية وثيقة الصلة، وذلك للوصول الى الهدف المطلوب بأن تبقى هذه الشركات شركات تعمل وفق منظومة اقتصادية متكاملة تضع نصب عينيها عاملي الربحية والنمو في الارباح للاعوام المقبلة، وقادرة على خلق عنصر بشري متميز بجميع القدرات والكفاءات اللازمة لاستمرار العطاء في هذا القطاع، خصوصا ونحن نشهد هذه الأيام طفرة كبيرة باسعار النفط تعدت حاجز الثمانين دولارا، ولا يخفى على من له عقل رشيد ورأي سديد كذلك مدى تأثير القيمة الشرائية لسعر برميل النفط في هذه الأيام مقارنة مع سعر البرميل في الأعوام السابقة، اذ ان عنصر التضخم الذي نعيشه الآن كبير جدا، انخفضت معه القيمة الشرائية للدولار الذي يعتبر العملة الرئيسية التي تسعر بها مادة النفط الخام ومشتقاته عالميا.ونحن كلنا ثقة بأن سمو الشيخ ناصر المحمد يعاني معاناة مريرة وحقيقية من التدخلات في هذه الوزارة خصوصا، والتي دفعته إلى تغيير هذا العدد من الوزراء في هذه المدة الوجيزة التي لا يتمكن خلالها أي وزير للنفط مهما حباه الله من فكر وعلم وقوة شخصية ونظرة ثاقبة بأن يشخص المشاكل الموجودة في القطاع النفطي ويعمل على وضع الحلول المناسبة لها، علاوة على ان المدة القصيرة التي تتاح الى وزير النفط لا تسمح له بأن يتعرف على نظرائه وزملائه في القطاع النفطي سواء في منظمة «أوبك» وغيرها، وذلك بالتنسيق والترتيب معهم في الاجتماعات الخاصة بهذه المنظمات حتى يتسنى لهم اتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة لمصلحة بلادهم أولا وأخيرا والمنظمات التي يكونوا أعضاء فيها.مما تقدم ونتيجة لما جاء فيه فان القطاع النفطي مني بخسارة كبيرة متمثلة بفقده للعناصر الوطنية المؤهلة والمدربة ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال والتي سئمت من العيش في هذه البيئة غير الملائمة واللاصحية، ما دفع الشركات العالمية والاقليمية إلى استقطاب هذه الكفاءات الكويتية للعمل لديها والاستفادة منها، وتعتبر هذه الخسارة البشرية هي النتيجة والفاتورة التي دفعها القطاع النفطي بسبب هذه التداخلات.وختاما،  اختم هذا المقال بما اخترته من عنوان «القطاع النفطي أمانة في عنقك يا سمو رئيس مجلس الوزراء» اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

حسين علي العتال

كاتب كويتيh-kuwriter@yahoo.com