برغم إعلان بعض حكومات دول الخليج ترحيبها بالاتفاق الأخير الذي تم بين دول مجموعة (5+1) وإيران، إلا أن هناك حسرة كبيرة تملأ قلوب شعوب هذه الدول.
فهذا الاتفاق كشف عن حقائق عديدة لن تعود بالطبع على دول الخليج بالنفع، بل إنها تهدد هذه الدول في أمنها واقتصادها واستقلالها.
كشف هذا الاتفاق عن حقيقة العلاقة بين أميركا وإيران والتي ظلت تخدع بها دول الخليج والعالم بأنها علاقة عدائية في الظاهر، بينما اكتشف المخدوعون بأن ثمة تقاربا واتفاقيات وتبادل أدوار يتم من تحت الطاولة.
إيران وزعماؤها الدينيون الذين لطالما سموا أميركا بالشيطان الأكبر نجدهم اليوم في موقف آخر من هذا الشيطان.
لقد صدقت تحليلات كثيرة كان يطلقها سياسيون ولعل في مقدمهم الدكتور عبدالله النفيسي والذي ظل تكرارا ومرارا يردد بأنه لن تكون هناك ضربة عسكرية أميركية لإيران، وأن هناك علاقة خفية بين النظامين الأميركي والإيراني وجاءت الأحداث لتبين صدق تنبؤاته.
التعاون الأميركي - الإيراني في عدة نزاعات وصراعات شهدتها دولنا الإسلامية كان واضحا وجليا، لكننا للأسف كنا نغمض أعيننا عنه بسبب عداوتنا أو خلافنا مع أحد الأطراف، فلم يكن لأميركا أن تحقق انتصارات كبيرة في أفغانستان لولا الخدمات والتسهيلات التي كانت تقدمها إيران، وسقوط نظام صدام في العراق ما كان ليتم بهذه السرعة لولا فتاوى المرجعيات الشيعية المرتبطة بإيران والتي منعت قتال الأمريكان، كما أن حماية ظهر القوات الأميركية في الجنوب العراقي إنما كانت تتم من قبل الفيالق العراقية الموالية للنظام الإيراني.
الغرب ومعه أميركا يعتبر الاتفاق انتصارا له لأنه يمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لأكثر من 5 في المئة، وأن يتوقف العمل في التخصيب لمدة ستة أشهر، وبذلك يضمن الغرب عدم تطوير إيران لسلاحها النووي، ما يضمن أمن إسرائيل.
وإيران تعتبر الاتفاق نصرا لها لأنه يعترف بحقها في تخصيب اليورانيوم وإن كان بنسبة قليلة، كما أنه ينص على تعليق كثير من العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة عليها، ويقر الاتفاق بعدم فرض عقوبات على إيران سواء من قبل الاتحاد الأوروبي أو مجلس الأمن في ما يتعلق بالبرنامج النووي.
السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الخطوات المقبلة، وما هي التغييرات التي ستتبع هذه الاتفاقية؟ بلا شك أن دول الخليج هي من أكبر الدول المتأثرة، لأنه إعلان واضح عن تغيير أميركا لحلفائها وفق ما تتطلبه مصلحتها، وأن أميركا لن تمانع في استخدام إيران كفزاعة جديدة تستطيع من خلالها حلب البقرة الحلوب الخليجية، وربما ستسعى أميركا لتغيير الخريطة في المنطقة في حال محاولة دول الخليج الخروج من تحت عباءتها.
هذه الاتفاقية ستعود بلا شك بالضرر على الثورة السورية، فالتقارب الاميركي- الايراني سيزيد من نفوذ الثانية على الأرض السورية، وسيضعف الألوية السورية القريبة من الأنظمة الخليجية.
أعتقد أن دول الخليج ومع هذا التقارب الأميركي - الإيراني لا بد من أن تبحث سريعا في كيفية حماية أمنها واستقرارها، ولعل من الطرق المتاحة هو إيجاد تحالفات مع دول لا تدين بالولاء أو التبعية للغرب، فتركيا مثلا دولة محورية تكون خير سند للخليج، ومن الممكن أن تصلح بعض الدول الداعمة للانقلاب في مصر خطأها فتسعى لعودة النظام السابق بقيادة الرئيس مرسي، ولو فكرت هذه الدول بتكافؤ القوى بالسعي لامتلاك السلاح النووي عن طريق باكستان، والأهم من ذلك كله وقبل كل شيء أن تصلح العلاقة ما بينها وبين شعوبها والتي تعتبر أكبر عضيد لها، فقوة الحكومات إنما تنبع من الرصيد الشعبي الداعم لها، ولعل في التجربة التركية الحالية خير مثال.

عبدالعزيز صباح الفضلي
twitter:@abdulaziz2002