عانى الاقتصاد العالمي ولايزال من آثار الأزمة المالية التي ضربت العالم في عام 2008، ولا شك في أن المستهلكين في مختلف أنحاء الأرض قد تأثروا بهذه الأزمة، خصوصاً أن الحكومات لم تهبّ في الواقع إلى مساعدتهم. أثرت نتائج الأزمة سلبياً على المستهلكين الذين استخلصوا درساً مهماً يتلخص في عدم وجود أمان وظيفي يساعد على تجنّب أعباء الالتزامات المالية.
/>لقد عاش المستهلكون في مختلف أنحاء العالم فترة ائتمان ذهبية كانوا خلالها لا يترددون في طلب الحصول على أي قرض سواء من البنوك أو من شركات الائتمان الاستهلاكي أو شركات الرهن العقاري وغيرها، إلا أن المستهلكين تعلموا منذ بداية هذه الأزمة عام 2008 درساً مكلفاً للغاية، كان في بعض الأحيان مأسوياً، ذلك أنّ عروض الائتمان الكثيرة لم تثر فضول المستهلكين لقراءة الفقرات المطبوعة بحروف صغيرة في الجزء السفلي من العقود.
/>كيف أثّر ذلك على سلوك المستهلكين؟ تأكد المستهلكون في المقام الأول وبشكل لا لبس فيه أن لا شيء في هذه الدنيا مضمون ما عدا الموت والضرائب، كما اكتشفوا بالإضافة إلى هذين العاملين الحتميين حقيقة استحالة شَغل وظيفة مدى الحياة، وقد كانت هذه الحقيقة هي الدرس الأصعب. فإذا افترضت، خطأً، أن عقد عملك مضمونٌ طوال حياتك، فإن ذلك لا يعني أنه يمكنك أن تبدأ بالاقتراض من دون أي حذر أو تأنٍّ.
/>من أهم النتائج الملموسة في مرحلة ما بعد الأزمة المالية هي أن جيل الشباب بدأ الآن بالتفكير ملياّ قبل التوقيع على عقد قرض عقاري لشراء منزل، كما بدأ هذه الجيل بالتوجه نحو الاستئجار بدلا من الشراء وهو ما يريحهم من الالتزامات المالية طويلة الأجل. لقد بدأ الناس الذين تأثروا فعلاً بنتائج الأزمة المالية في التفكير بانعدام الأمان قبل اتخاذ قرار بأي التزام مالي.
/>لكن الطبيعة البشرية للأسف تدفع الناس إلى الانتقال من النقيض إلى النقيض عندما يتعرضون لأي مأساة سواء كانت مالية أو إنسانية. إن شراء منزل هو بالتأكيد التزام ضخم، ولذلك فإن ردة فعل المستهلكين تجاه القطاع العقاري مفهومة، ولكن ما لا يمكن فهمه أو القبول به هو وصول ردة فعلهم هذه إلى سلسلة السلع، وهو تصرف قد يكون متطرفاً إلى حد ما. هناك دائماً، كما نعلم جميعاً، رابحون وخاسرون في أي أزمة، والأزمة المالية هي من الأزمات التي يظهر فيها الكثير من الرابحين وتوفر فرصاً عظيمة.
/>من احدى نتائج الأزمة المالية هي أن الجيل الجديد لا يرغب في الدخول في أي التزام. في العادة، يبدأ الشاب، بعد التخرج من الكلية والحصول على وظيفة جديدة، في البحث عن فرصة شراء منزل جديد وذلك قبل القيام بأي التزام آخر، بما في ذلك شراء سيارة جديدة. ذلك أنّ تملّك منزل أو شقة لطالما كان استثمارا صلبا يمكن توريثه للأولاد في يوم ما.
/>لكن الاستئجار حل مكان التملّك بما أن الإحصائيات تشير إلى أن قطاع التأجير ازدهر ليس فقط على صعيد المنازل، بل أيضاً في قطاع السيارات والسلع المنزلية وحتى الملابس. لماذا يشتري المرء شيئاً يمكنه استئجاره والعيش دون أي التزام مالي كبير؟ أو لماذا لا يتم اعتماد استراتيجية شراء الغرض وبيعه مباشرة عند الانتهاء من استخدامه بدلاً من الاحتفاظ به وخسارة قيمته؟
/>تشير الأرقام من موقع (EBay) إلى أن هذه النوع من الاستراتيجية الاستهلاكية تشهد ازدهاراً وأصبح الموقع الإلكتروني المذكور من أهم وأكبر المواقع لبيع السلع المستعملة مثل الأحذية والملابس، وبشكل مثير للدهشة السيارات، وأنا واثق من أن شركات أخرى ستحاول الانضمام إلى هذه الموضة الجديدة. لقد كان موقع (EBay) الإلكتروني النجمَ الساطعَ في هذا النوع من الأعمال ونحن في ديمة كابيتال نعتقد أنه سيواصل السيطرة على هذا القطاع. كما نجح (EBay) من خلال نظام (PayPal) في الدخول إلى قطاعات أخرى واعدة مثل سوق النشاطات التجارية الصغيرة.
/>إن ثنائية النشاط الرئيسي لموقع (EBay) ونشاط الدفع من خلال (PayPal) سوف تمثل تحدياً كبيراً لمنافسيه، وربما حتى لبعض البنوك الضعيفة. لقد وجد موقع (EBay) نفسه، ولحسن حظه، وسط هذا السلوك الاستهلاكي الثوري منذ البداية وعليه الاستفادة من ذلك بشكل كبير.
/>توافر التكنولوجيا للمستهلكين الشباب النفاذ السريع والسهل الذي يمكن الاعتماد عليه، وتساعدهم في العثور على ما يريدون في الوقت الذين يريدونه وبتكلفة أقل بكثير مقارنة بطرق الاستهلاك التقليدية. كما يجب ألا ننسى أن قطاع تأجير المنازل كان موجوداً طوال الوقت ولكنه لم يكن على النطاق الذي نشهده اليوم.
/>لماذا نرغب في امتلاك منزل في حين أنه يمكننا الحصول على مثله في أي وقت وبالسعر الذي نريده وللفترة الزمنية التي نرغب بها؟ لجذب عدد متزايد من المستهلكين الذين يرغبون بالتأجير يجب أن تنخفض أسعار السلع المعمّرة وغير المعمّرة عن المستوى الذي هي عليه الآن. لقد حرص بعض تجار التجزئة في اقتصاد ما بعد الأزمة المالية أن يكون دخول المتسوقين لمتاجرهم مربحاً وقد كانت هذه الاستراتيجية ناجحة جداً بالنسبة لبعض محال البيع بالتجزئة مثل (GAP و TJX و ZARA)، ولكنها كانت فاشلة بالنسبة للبعض الآخر.
/>لقد شهدت السنوات القليلة الماضية بروز عدد من الشركات التي يتمثل نشاطها الرئيسي في أعمال التأجير، واحتل تأجير الملابس الحصة الأكبر في هذه الأنشطة وهو النشاط الذي دخل إلى قطاع صناعة الملابس الفاخرة ذلك أن بعض هذه القطع المعروضة للإيجار هي جذابة للغاية، وتمكن المستهلك من التوفير في الوقت نفسه.
/>لكن إلى متى يمكن لهذه الأنشطة التجارية البقاء هو سؤال يعتمد على مدى عمق التباطؤ الاقتصادي وعلى شكل ردة فعل المتاجر التقليدية على الأنشطة التي سُحبت منها. نحن نعتقد أن كلاهما سيستمر على حساب الآخر. وقد بدأت شركات الأثاث بالدخول في هذه الدائرة، وأنا أرى أن دخول هذا القطاع ميدان التأجير هو أمر منطقي أكثر من قطاع الملابس.
/>في نهاية الأمر، يجب على الجيل الشاب والمستهلكين التفكير في تكوين ثروة لمستقبلهم. ولذا نرى أن التأجير هو أمر جيد عندما يتعلق الأمر بالسلع الخاصة بكل يوم، ولكن استئجار المنزل ليس الاستراتيجية الصائبة لبناء ثروة ذلك أن شراء منزل عندما يستطيع المرء ذلك بالسعر والشروط المالية المناسبة دون أخذ الكثير من المخاطر، هو الاستراتيجية الأفضل لتكوين ثروة تضمن المستقبل.
/>* نائب الرئيس لإدارة الأصول
/>في شركة «ديمة كابيتال» للاستثمار
/>HT@dimah.com.kw
/>