حياة الماضي جميلة بذكرياته، التي لا تنفك عن الجيل الذي أدركها مزيد عويس الديحاني يصحبنا مع ذكرياته فيذكر لنا أماكن المياه التي كانت بادية الكويت تعتمد** عليها والمرابع التي يتركز عليها الناس في الماضي بعدها تطرق الى حياته العسكرية التي بدأها في الامن العام ثم التحق في الحرس الوطني ليكون أول عسكري به فلنترك له ذلك:
أنا عندما أدركت العلم ونحن أهل حلال من غنم وإبل ومنازلنا في بوادي الكويت وما حولها، ومرابعها كانت الجبو وأطراف الطويل، والشق، الى قلة شايع وقلمة صباح وحدود السالمي ويمين الوفرة وشمالا القشعانية والعبدلي والشعيب ومهزول والابرق كان ذلك في وقت الربيع، وكان البدو عادة اذا اقترب الصيف يتجهون الى موارد المياه.

الطويل
منطقة الطويل وهي من عدود البادية التي نزل عليها، وهي عدة «قلبان» بعضها عذب قراح والبعض الآخر هماج وبجانبه الصبيح والصبيحية وهما جنوبا من الطويل، والصبيحية فيها مياه تنزل عليها الناس ثم أصبح فيها زواريع، وفي الشمال من الطويل هناك منطقة «ملح» وكان فيها بن هنيدي، وقد تولى العمل مع الشركات، وقريب من الطويل منطقة وارة جهة الجنوب وكذلك البرقان وهي تلال.

واره
وأذكر ونحن صغار أطفال كنا في منطقة الطويل ورأينا أول شعلة نفطية ظهرت بالقرب من جبل وارة فذهبنا نركض اليها لكي نشاهدها وكان أمرا مدهشا بالنسبة الينا ومثيرا للعجب.

تاجرنا
تاجرنا الذي كنا نتعامل معه هو عبد العزيز التويجري والقضاع وكان لهم دكاكين في سوق السلاح وهما معروفان، وكان التجار كثيرين لكننا كنا نتعامل مع هذين التاجرين على وجه الخصوص، وكان الناس يكتالون منهما على بيعة «السمن والسمين» والمقصود بهذه البيعة انتاج أهل البادية من حلالهم وهو الدهن وإنتاج الغنم والابل، وهذه المعاملة كانت من العرف السائد في التعامل بين البادية والحاضرة، وكنا عندما نأتي اليهما او لقضاء اي حاجة داخل الكويت ندخل من بوابة الشامية او الجهراء لكن دروازة الشعب والمقصب لم تكن في اتجاهنا.

الأرض
كانت الخيرات في الماضي كثيرة ولايزال الخير موجودا بفضل الله، حيث كانت جميع الاعشاب والاشجار البرية متوافرة ولم تكن الناس تعرف الاعلاف، فكانت خيرات الرحمن تكسو وجه الارض، فهي تنبت في موسمها فتظهر الاعشاب ثم تعقبها الاشجار وكان فيها النبت الربيعي والنبت الصيفي، اضافة الى نبت البكور الذي كان يظهر في الوسم، ويبدأ نبت الصيف في الظهور مع نهاية الشتاء وبداية اشتداد الحرارة، حيث كان يظهر شجر النصي والثمام وهو ما يسمى بشجر العود الطويل، اما نبت الربيع فهو العود الرقيق، وكانت الاعشاب كثيرة.

الصيد
كان الصيد متوافراً في الماضي، فمثلاً كانت الظباء «جمايل» كثيرة جداً نراها في ذهابنا وإيابنا بصحراء الكويت وما حولها، والحباري والأرانب وغيرها من حيوانات الصيد، وكما كان يُقال قديماً «فالصيد مخلوق من طبيعة الأرض»، فكل حيوان يحمل صفات الأرض والبيئة التي يعيش فيها لدرجة أنه يأخذ لون هذه الأرض.

الجدري
سنة الجدري الأسود مشهورة وأظنها كانت في أول الأربعينات، وهو مرض فتك بالناس، وقد أُصبتُ به ولكن ليس في تلك السنة وإنما في عام 1949 أي في سنة البطاقة، وأذكر أنني كنت في رحلة صيد واصطدت أرنباً وجئتُ بها الى أهلي قُبيل المغرب فشعرت بمرض الحمَّى حيث ارتفعت درجة الحرارة وهي من عوامل مرض الجدري ولم يكن العلاج متوفراً لكن كان لدينا علاجات شعبية نستخدمها في مكافحة الأمراض - والحمد لله - فقد شفاني الله بعد تسعين يوماً في معاناة وصراع مع هذا المرض، وبعد إصابتي بأسبوع أصاب أخي، وأذكر اننا كنا بمنطقة وارة في تلك السنة وكانت منطقة وارة ناشئة وبيوتها قليلة، ولم أذهب الى المستشفى الأمريكاني المتوافر في ذلك الوقت وإنما اكتفيت بالعلاج الشعبي الخاص بأهل البادية.

الوصف
«الزمل» نوع من الإبل تستخدم لحمل الأثقال والرحيل والانتقال و«الجيش» يستخدم للسفر لمسافات طويلة، خلاف الإبل التي يرعونها ويستفيدون منها، والتي كانت تمثل الثروة لهم، وهناك جمل البيت الذي كان متخصصاً لحمل أثقال البيت حين التنقل حيث كانت توضع عليه الأمتعة عند الانتقال.

الوظيفة
بدأت الشركات والأعمال تتوافر في بلدنا في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات في الدوائر الحكومية، فعملت في شركة عنز وهي إحدى الشركات المتوافرة في ذلك الوقت، حيث كان لها أعمال في المدرسة الصناعية ومنطقة جيوان ولا تزال «كبرات» ومكاتب الشركة موجودة الى الآن، لكني لم أستمر معهم أكثر من خمسة عشر يوماً ولم آخذ منهم أجراً، لأن هوايتي الأساسية هي العسكرية فتوجهت الى الأمن العام في تاريخ 1953، وكانت هناك إجراءات معينة وطلبات يقدمها الذي يريد الالتحاق بالأمن العام وقد وفرتها لهم فالتحقت بالأمن العام في 15/ 3/ 1953، وكان الأمن العام قوة غير قوة الشرطة، وكان مدير القلم هو سعيد السليم، أما مدير التسجيل فكان هو جبر شحيبر، وكان معه يوسف دلالي وشكري بوحجلة وهم الذين كانوا يسجلون أسماء الملتحقين بالأمن العام وكذلك يوسف الخضرا وبديع جبرا، كل أولئك كانوا مسؤولين عن التسجيل بالامن العام، ثم التحقنا بالتدريب في ساحة قصر نايف.

المراكز
ومن المدربين الذين أشرفوا على تدريبنا عبد العزيز الدوسري وغيره، وكان المشرف العام على قسم التدريب هو زكي دلال وكان يسكن هو وعائلته في الامن العام وكان شخصية متفهمة وذا خبرة عسكرية، وقد أمضينا عدة اشهر بالدورة العسكرية ثم تخرجنا وتوزعنا على المراكز العسكرية المتوافرة في ذلك الوقت، وقد عملت في عدة مراكز بدأت بالاحمدي ثم الفحيحيل ثم أبو حليفة ثم الفنطاس وكلها مراكز عسكرية وقوات أمنية لحفظ الامن فكنا نقوم بدوريات أمنية في المناطق المجاورة لهذه المراكز، وكان راتبي يقرب من 350 روبية وكانت سمة الامن هي السائدة في تلك الفترة، ثم تم فصل الامن العام وألحق البعض منا بالشرطة والبعض الآخر مع الجيش فأصبحت أنا وبعض زملائي تابعين للشرطة، وانتقل مقر عملي في «قلمة» شايع وهو احد المراكز البرية، وأصبحنا نلبس لبس الشرطة وهذا يختلف عن لبس الجيش الذي كان في الورشة العسكرية بقصر نايف، وأصبح الجيش والامن العام تابعا للشيخ عبد الله المبارك، وكان الشيخ عبد الله المبارك دائما يتجول بين المعسكرات ويتفقد الاحوال الامنية بنفسه طيلة ساعات اليوم فكان يأتي أحيانا في الصباح وأحيانا في المساء.

فيلكا
تم نقلي الى جزيرة فيلكا عام 1957 حيث كان فيها مخفر للشرطة يرأسه الضابط «ثاني مطر» وكان برتبة نقيب، ولم يكن في فيلكا الا مخفر واحد وكان أفراد الشرطة موزعين على هيئة نوبات عسكرية ومدة النوبة 48 ساعة اي يومين ثم تليها استراحة لمدة 4 أيام، وكانت فيلكا جزيرة سياحية حيوية جميلة وهي جزيرة خير بها الماء عذب كثير وقريب من سطح الارض وكانت حافلة بأشجار النخيل وجميع الاشجار والنباتات البرية، وفي ذلك الوقت كان أهلها متواجدين بها وكان بها ثلاثة مساجد وسوق وقبل كل ذلك هي جزيرة أثرية غنية بالآثار القديمة ويقصدها السياح من كل مكان... وكانت العبّارة حين ذهابنا الى فيلكا تستغرق مدة ساعتين حتى تصل اليها وكان محل انطلاقها من «النقعة البحرية» القريبة من قصر السيف، ولكنني لم أستمر طويلا حيث حاولت ان انتقل الى المراكز التي داخل الكويت ولكن لم يتحقق ذلك، وكان عندي أعمال وارتباطات تتعارض مع نظام الدوام بفيلكا، وهذا ما دفعني الى ان أقدم استقالتي.

الاستقالة
بعد استقالتي من الشرطة مكثت عدة سنوات ولم أكن ارغب في الوظائف المدنية المتوافرة في ذلك الوقت، لأن ميولي تتجه الى العسكرية وهي خدمة شرف وواجب وطني، وقد نما الى علمي تشكيل وتأسيس الحرس الوطني وان الشيخ سالم العلي هو الرئيس له، ولم يحن استدعاء الملتحقين بعد وكان التسجيل في الخالدية، ومن اراد الالتحاق يُطلب منه ورقة من مختار المنطقة التي يسكن بها، وكل مسجل حسب منطقته فأسرعت في التسجيل وكنت اول ملتحق في الحرس الوطني فأنا اول عسكري التحق بالحرس الوطني وبعد التسجيل والاجراءات المعتادة التحقنا بدورة عسكرية في منطقة جيوان وقد تم انتداب مجموعة من المدرسين لتدريب الملتحقين الذين كانوا يقدرون بأعداد كبيرة من العسكر، اذكر من هؤلاء المدربين بدر الذيب وعبدالهادي الراجحي ومعهم مدربون آخرون اتوا من الجيش والشرطة، وقد مكثنا بالدور سنة كاملة لانها كانت مكثفة.

الوحدات
وبعد ذلك تم تشكيل الكتائب والوحدات العسكرية التي توزعت لحماية المباني والمنشآت الحيوية بالبلاد كالسفارات والوزارات ومحطات تصفية المياه الى جانب الاذاعة والتلفزيون فقد تولى الحرس الوطني حماية هذه المنشآت وتوفير الأمن لها.
فنحن عسكر ولباسنا عسكري ونحمل سلاح الدولة ونتولى حماية منشآتها ولكن لنا لباس يختلف عن لباس الجيش والشرطة وقضيت اربعة عشر عاماً في الخدمة العسكرية التي كانت من اعظم امنياتي... وخلال مدتي بالحرس الوطني كانت هناك دورات عسكرية تتناول المهام العسكرية وانا خلال خدمتي كنت مسؤولاً عن الحراس واحياناً اكون مسؤولاً عن الموقع العسكري، فلي خبرة بالأمن العام سابقاً كانت تقدر بسبع سنوات وخلال عملي.

الكسوف
كسوف الشمس حلّ علينا الظهر وصاحبه تغير الجو حيث تطايرت الأتربة وأصبح الجو «عج» ثم سكن وكان ذلك عام 1951.

العدود
كنا ننتقل على عدود الكويت الرئيسية ومياهها المعتمدة والتي أدركتها ورأيتها وكانت كثيرة، الجهراء، أمغرة، الشدادية، وبالطبع الطويل، وجعيدان، الصبيحية والصبيح، حتى جنوب الوفرة والمياه متوافرة.

السيارة
كان محل بيع السيارات وشرائها قريبا من الامن العام المتواجد في قصر نايف، فصفاة الغنم كانت قريبة من هذا المكان، وكذلك سوق السيارات كان بهذه المنطقة وأذكر ان اول سيارة اشتريتها كانت قيمتها 2000 روبية وهي كانت فورد موديل 1952، ثم بعتها واشتريت أخرى موديل 1949، ثم كثرت السيارات عندي وتنوعت.

التعلم
أما تعلمي للقيادة فلا أذكر ان أحدا علمني بل من تلقاء نفسي، فأذكر انني عندما اشتريت سيارتي الاولى اصطحبت احد جماعتنا معي حينما اشترينا السيارة ورجعنا الى أهلنا كان هو الذي يقود السيارة وفي منتصف الطريق طلبت منه ان يقف وتوليت أنا القيادة بنفسي وأصبحت أقودها وكأنني أعرف القيادة من سنوات طويلة ومن ذاك اليوم وأنا أقود السيارة وكان تعليمي فراسة ولم يقتصر الامر على ذلك بل تعلمت الميكانيكا وكنت أفك السيارة قطعة قطعة وأصلح العطل الذي بها.

الزواج
كان زواجي عام 1954 وعقد قراني عند شيخ بالأحمدي ولكنني لا اذكر اسمه وبعد سنتين تم تصديق العقد عند شيخ الأحمدي احمد مبارك المطوع وكان مسؤولاً عن استخراج الأوراق الرسمية، والحمدلله رزقت بأولاد واحفاد.
وأذكر أن طلال السعيد أجرى معي مقابلة في وزارة الاعلام وأيضاً أجرى الاعلامي يعقوب معي مقابلة أخرى.

«ديكسون ... والوصية»

كان دائما يأتينا «ديكسون» الانكليزي وزوجته أم سعود وكانت لهما جولات في البادية فيأتيان إلينا ونحن في الطويل، و«ديكسون» له علاقات وطيدة مع أهل البادية، وأذكر انه جاءنا وقت الضحى مع زوجته وكانا يستقلان سيارة وكانت الابل منتشرة حول البيوت ومتجهة الى المرعى وحولها الاعشاب والخيرات التي يجود بها الرحمن، فلما رآها وجه الكلام إلينا قائلا: «احتفظوا بالابل» وقال بلهجته «احتفظوا بالكامل» فسوف يأتي وقت يتمنى الناس لو يملكون بعيرا واحدا».
فقد وجه الكلام الى عويد المطرقة، حيث ناداه بقوله: يا عويد. فقال عويد: نعم. قال: «احتفظوا بالكامل» يا عويد، فسوف يأتي يوم يتمنى الناس لو يملكون «كاملاً» واحداً، فمن ملك «كاملاً» واحداً فسوف يكون غنيا، احتفظوا بالابل ولا تتركوها.