| أنوار مرزوق الجويسري |
ماذا بعد أن تكون قارئاً نهماً واسع الإطلاع؟ ماذا بعد أن تكون صديقاً وفياً كثير العطاء؟ وبعد أن تكون قد اتخذت كل همومك ومشكلاتك بدايات جديدة لحياة أفضل؟ وماذا بعد معالجتك للأخطاء بالإصلاح والصبر واقتناص فرصة التعلم؟ بعد كل ذلك كيف تكون أيها الإنسان البسيط الذي يحاول فهم نفسه والحياة؟ وبعد تحمّل كل ذلك بصدر المتعلم الواثق كيف سينعكس على حياتك؟ كيف ستتأثر قراراتك؟
لطالما كنت أثق بأن الحياة تُبنى على القرار، ومن لم يتخذ لنفسه قرارا فلا حياة له، ولطالما اعتقدت بأن تلك القرارات التي نعيش بها الحياة لا تأتي من لا شيء ولا تُغرز في رأس الصواب ما لم نقدم لأنفسنا ما تحتاجه من زاد روحي وفكري، أما القرارات العشوائية فاحتمال الصواب فيها قليل وإثمارها نادر، إلا أننا في كل مرحلة من مراحل حياتنا نواجه قرارات مُفصّلة على مقاس عمرنا، فنواجه قراراً مهماً في الصغر ما بين أن نحب الدراسة أو أن نكرهها، ثم نواجه قراراً يعتمد على معرفتنا لشيء من ذاتنا فنقرر أي من التخصصين نختار ما بين العلمي و الأدبي، وكنتيجة لذاك القرار نتعامل مع قرار أكبر في اختيار التخصص الجامعي الذي يُمثّل طموحنا، إلا أن هناك من الناس من حُرموا لذة اتخاذ القرار فاتُخذت تلك القرارات نيابةً عنهم، وإن كان هناك من المربين من يعتقد بأن تلك الوسيلة هي الأنسب لحفظ أبنائها من الصدمات فإنها تحفظهم موقتاً ثم ترميهم بوابل من الصدمات الأكبر التي ما اعتادوا على صغيرها.
القرار الذي تتخذه اليوم يزيدك امتداداً بالتجارب والخبرات ويوسّع مداركك العقلية، فكلما مارست مهارة اتخاذ القرار كلما كنت قادراً على تصوّر الاحتمالات المتوقعة وبالتالي تصوّر أهدافك الحياتية الكبيرة، حينها ستحمل قدراً من المسؤولية تجاه قراراتك وتصرفاتك ونظرتك للحياة، لك الحق في الاختيار ما بين النظرة التفاؤلية الراضية المتزنة أو اختيار النظرة السوداوية التي تركز على موطن الخلاف والضعف وتغفل عن مواطن القوة والصواب، وكنتيجة لذلك تتحمل المسؤولية الكاملة ولا أحد غيرك.
القرار الكبير لا يُغيّر الحياة بل يضيف عليها ويُحسّن منها، ولكننا لن نستطيع اتخاذ هذه القرارات قبل أن نتدرب على اتخاذ الصغير منها، فنحن في مواجهة قراراتنا نحتاج لمحيط داعم ومساند نتّكئ عليه في لحظات العجز والخوف، ونحتاج لقدر من العقلانية يفوق المتوقع، كما لا نستغني عن الموضوعية التامة واللجوء الأول والأخير للرب الذي يمدنا بحبل من الأمان الخاص والخفي جداً.
 
@anwar1992m
anwaraljuwaisri@hotmail.com