| د. حمد العصيدان |
لم يعد خافيا على أحد أن الوضع السياسي في الكويت أصبح مرهونا، ومنذ سنوات، لصراع الأقطاب التي تحارب بعضها عبر وسائلها البشرية من ضعاف النفوس الذين تحولوا إلى أدوات لتلك الأقطاب في مواجهة خصومها.
كما لم يعد خافيا أن مجلس الأمة أصبح الميدان الأرحب والأوسع لتصفية حسابات تلك الأقطاب، من خلال تحريك الأدوات التي تسمى ـ ظلما ـ بأعضاء مجلس أمة، ولعل الهمس الذي نسمع بعض كلماته الآن، والذي بدأ يرتفع الصوت فيه، يدلل على ما نقول، فقد تحدث أكثر من نائب منتقدين الترويج لقضية حل مجلس الأمة، بحثا عن كراسي في مجلس جديد تخدم هذا الطرف أو ذاك، أو التهديد بالاستجوابات التي أعادت أجواء المجالس السابقة والتي تستهدف وزراء بعينهم يدخلون ضمن حرب الأقطاب.
لعبة الصراع وإدخال مجلس الأمة في خضمها برزت منذ سنوات عدة ولا سيما مع صعود المعارضة بشكل قوي وارتفاع صوتها من جهة وتمثيلها النيابي من جهة ثانية، حتى وصلت إلى غالبية فرضت على الحكومة السير في نهجها، لكن حل المجلس وتعديل النظام الانتخابي من الدوائر الخمس بأصواتها الأربعة إلى الخمس بصوت واحد، خفف من حدة المعارضة وبالخصوص مع عزوف تيار المعارضة الكبير عن الترشح، ثم جاء التحصين الدستوري للنظام الانتخابي نقطة فارقة فعاد المجلس بوجوه واعدة تحمل في أجنداتها ملفات وبرامج وطنية تخدم البلد وأبناءه، وقد وقفنا بقوة مع هذا النهج الذي تمثل بعمل غير مسبوق قاده رئيس مجلس الأمة من خلال استبيان الرأي الشعبي للأولويات ووضعها على خارطة عمل المجلس وفق نتائجها، وهو الذي اتخذ بعدا قويا بدعم سمو الأمير لهذه الخطوة وخصوصا التوجيهات السامية بسرعة حل القضية الإسكانية التي احتلت المركز الأول في سلم الأولويات النيابية، هذا عدا القوانين والاقتراحات التي حملت الكثير من البعد الشعبي والتفاؤل بانتقال الكويت إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي عنوانها الإنجاز ولا شيء سواه، تناغما مع سير حكومي في هذا الاتجاه يزيد من جرعة التفاؤل.
ولكن هناك أطراف لا يحلو لها أن يعيش البلد في حال من المصالحة مع نفسه، كما لا يروق لها أن يستمر شهر العسل بين السلطتين، فأخذت تحرك أصابعها، لتخريب العلاقة الحكومية النيابية والعمل على إجهاض التوجه القوي نحو إغلاق عدد من الملفات العالقة منذ سنوات، فعاد ما يعرف باسم «صراع أبناء الأسرة» وتأثيره على الحياة السياسية ومسيرة العمل، إضافة إلى تدخل متنفذين يعملون على ضمان بقاء مصالحهم الخاصة، ترافقا مع ترويجات وإشاعات مغرضة تمهد لشيء ما يدبر خلف الغرف المغلقة أو في السراديب، وينفذ عبر شخصيات باعت نفسها لتلك الجهات من أجل عرض زائل لن يحقق لها المجد، ولكنها للأسف لم ترَ أبعد من «أرنبة أنفها» وتظن أنها تعمل عملا بطوليا باستعراض عضلات «منفوخة» يعرف القاصي والداني أنها فارغة من أي مضمون.
أعتقد أننا في هذا الوقت الذي تسير فيه الحياة السياسية في طريقها الصحيح بمباركة سامية رأى من خلالها سمو الأمير بشائر خير للكويت وأهلها لما لمسه من تعاون بين السلطتين، في هذا الوقت نحتاج أكثر من نحتاجه هو اقتلاع «الضرس المسوس» الذي يعود للعبث وبث الألم في الجسم الكويتي كلما رآه سليما وصحيحا ويعمل بقوة وبلا منغصات، ومما لا شك فيه أيضا أن أول عمل لاقتلاع الضرس يبدأ بوقف صراع أقطاب الأسرة ووقف التدخل وتحريك أصابعهم في حربهم مع بعضهم، وهو إذا ما حدث سيكف كل الأيدي الأخرى التي تعبث، وأولها المتنفذون الذين يضعون مصالحهم أولا وقبل كل مصلحة حتى لو كانت مصلحة الكويت وشعبها.

h.alasidan@hotmail.com
@Dr_alasidan