رداً على افتتاحية ناشر «الراي» جاسم بودي يوم الجمعة الماضية تحت عنوان «أمن الكويت القومي... خط أحمر»، جاء مقال أحمد علي الفريح في رسالة حملت جملة من الاعتراضات على الافتتاحية، ومطالباً فيها «بضرورة نشرها عملاً بمبدأ حرية التعبير عن الرأي حتى لو جاء ناقداً لافتتاحية «الراي» وهذا هو نص «المقال» الذي حمل عنوان: (اعتراضات تَرُد ... على افتتاحية... الأمن القومي... خط أحمر):
لقد ذكر الأستاذ المفضال في مقالته أن الكويت هي من الدول القليلة التي استطاعت بنجاح أن تملك زمام الأمور داخلياً وخارجياً في ما يخصها، وذلك خلال الظروف التي مرت بالمنطقة (سياسياً).
وبالطبع، الأستاذ الفاضل لا يعني الكويت بشعبها وإنما يعني السلطة فيها؛ فالشعب لا يتخذ القرارات... وإنما يكون ذلك منوطاً بالجهة المسؤولة عن رعاية مصالحه، كذلك الاستاذ يقصد بالزمان... من أواخر الخمسينات إلى يومنا هذا.
وأول اعتراض يتوجه، ونحن نتصعد من السهل إلى الصعب.
... أين هي تلك الموازنة... حين طالب عبدالكريم قاسم بتبعية الكويت للعراق (عام 1961م)؟! هل كانت الاستخبارات السياسية الكويتية في غفلة عن هذا الأمر وهو يطبخ في ردهات مطبخ السياسة العراقية؛ والكل من المراقبين السياسيين بالمنطقة يعرف مصانعة قاسم للشيوعيين حيث استفاد منهم، آنذاك، في تطبيع الشارع العراقي مع حكم المذكور للعراق. أما كان من متطلبات الموازنة التفاوض مع الشيوعيين الكويتيين (وهم كُثر مع مناصريهم في أوائل الستينات من القرن الماضي)... ليقوم وفد منهم بالسفر إلى العراق والضغط على قاسم بورقة الشيوعيين العراقيين، ووأد هذه الفكرة (الكويت جزء من العراق)... في مهدها... دون الحاجة إلى تركها تتبلور وتظهر سافرة على الملأ... وتكون عذاباً نفسياً للشعب الكويتي لم يتخلص آثارها لحد الآن؟!!
ثاني هذه الاعتراضات... انغماس الكويت في الحرب العراقية - الإيرانية؛ وانحيازها للطرف العراقي، ونستطيع القول، ها هنا بأن تلك الحرب هي بتدبير خليجي - عراقي... نتيجة لحجم المساعدات التي يتلقاها العراق والتي كانت سبباً أساسياً في حل مجلس الأمة (عام 1986م)... حيث أعقب الحل مباشرة تحويل العديد من بنود الصرف في الميزانية إلى دعم العراق بشهادة باحث حكومي (موظف) في مجلس الأمة... (أنظر، تاريخ الحركة النيابية/ عثمان الحيدر)... ومثل هذا الدعم بهذا الحجم لا يمكن تصوره إلاّ في معاهدة شاملة مع العراق (سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً... الخ).
وهذا ما لم يكن مجلس الأمة، وقتها، مطمئناً له، فأخذ يحاول البحث؛ فقُطِع الطريق عليه بالحل. حقيقةً، كان ميل السواد الأعظم من أعضائه إلى العراق، وقتئِذ، ولكنه لا يرقى لأن يكون باعثاً على عقد معاهدة بهذا الحجم معه. لأن ذلك التصرف يجعل المجلس يفقد مصداقيته، كصرح للديموقراطية السياسية، حين يضع يده بيد أحد أكبر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ المعاصر.
والاعتراض الثالث الذي يتوجه... يوم وقعت الطامة الصغرى التي كانت لازمة للطامة الكبرى... حين أخذ صدام يهدد ويتوعد، على صعيد الفعل... لا على صعيد القول فقط، وذلك بتعبئة جيشه في تشكيلات هجومية يراها الناس، عياناً بياناً، على طول الطريق المؤدية إلى الحدود الجنوبية... ولم يبق إلا دفع المليارات العشرة التي يُطالب بها أو العدوان على الكويت؛ والولايات المتحدة حددت موقفها، صراحة، بأنها لا تستطيع التدخل لعدم وجود معاهدة دفاع مشتركة... أين تلك الموازنة بين الأمن القومي الداخلي... والخارجي؟!! إلى أن جاءت الطامة الكبرى باحتلال البلد!!!!!
والسؤال الذي يستبد بالأذهان، ويجعلها تذعن حيرى عجبى... يغيب عنها وَهْلُها ووعيُها... أبعد كل هذه الوقائع القاطعة في دلالتها، البدهية في فهمها - نقول تميزت السلطة في الكويت بالبسماركية (نسبة إلى فون بسمارك أعظم سياسي في العصر الحديث)... كما يُقال عنه... بسمارك الطبيب... يجرح... ويداوي؟!!!
الأمر الذي يدعو لهذا العرض من الدفوع التي تنسخ ما يطرحه أستاذنا الفاضل... هو الخوف من العودة إلى انتهاج سياسة السلطة في الكويت... خلال الخمسين سنة الماضية، أو الستين... من جديد؛ وذلك على اعتبارها قاعدة ذهبية... حفظت أمن الكويت وأمانها في ما مضى، والحقيقة المرة تشهد، بما لا يدع مجالاً للشك، بنقيض ذلك تماماً (تخلف قاعدة الشيوخ أبخص-)... وبالتالي تتجدد المصائب بالكويت، لا سمح الله تعالى.
لا ضير أن هناك خطأ للسلطة حيث لا توجد عصمة من الخطأ مهما كان التحرز والاحتراس؛ كما كان خطأ الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى في معاملتها لألمانيا... تلك المعاملة التي دفعت إلى الانتقام واشتعال أوار الحرب مرة أخرى، وكما كان خطأ الولايات المتحدة في عدم إدراج روسيا ودول شرق أوروبا في مشروع جورج مارشال لإعمار أوروبا... وكان (ستالين) يتضرع اليهم ليفعلوا ذلك... فكانت النتيجة العذاب النفسي الذي عاشته الولايات المتحدة والقلق من تفوق الروس عليها بالتقنية العسكرية - وصناعتهم لمركبة تدور حول الأرض... بينما لم يستطع الأميركان ذلك (1959 - 1960)، في ما يسمى بالحرب الباردة بينهما... والأمثلة كثيرة.
ولكن كل ذلك لم يكن منهجا تنتهجه الإدارات السياسية في تلك الدول... إنما كان ندّات من هنا وهناك، يدفع إليها الغرور والعناد البشري... المشترك بين جميع البشر سياسيين وغير سياسيين!
أحمد علي الفريح
لقد ذكر الأستاذ المفضال في مقالته أن الكويت هي من الدول القليلة التي استطاعت بنجاح أن تملك زمام الأمور داخلياً وخارجياً في ما يخصها، وذلك خلال الظروف التي مرت بالمنطقة (سياسياً).
وبالطبع، الأستاذ الفاضل لا يعني الكويت بشعبها وإنما يعني السلطة فيها؛ فالشعب لا يتخذ القرارات... وإنما يكون ذلك منوطاً بالجهة المسؤولة عن رعاية مصالحه، كذلك الاستاذ يقصد بالزمان... من أواخر الخمسينات إلى يومنا هذا.
وأول اعتراض يتوجه، ونحن نتصعد من السهل إلى الصعب.
... أين هي تلك الموازنة... حين طالب عبدالكريم قاسم بتبعية الكويت للعراق (عام 1961م)؟! هل كانت الاستخبارات السياسية الكويتية في غفلة عن هذا الأمر وهو يطبخ في ردهات مطبخ السياسة العراقية؛ والكل من المراقبين السياسيين بالمنطقة يعرف مصانعة قاسم للشيوعيين حيث استفاد منهم، آنذاك، في تطبيع الشارع العراقي مع حكم المذكور للعراق. أما كان من متطلبات الموازنة التفاوض مع الشيوعيين الكويتيين (وهم كُثر مع مناصريهم في أوائل الستينات من القرن الماضي)... ليقوم وفد منهم بالسفر إلى العراق والضغط على قاسم بورقة الشيوعيين العراقيين، ووأد هذه الفكرة (الكويت جزء من العراق)... في مهدها... دون الحاجة إلى تركها تتبلور وتظهر سافرة على الملأ... وتكون عذاباً نفسياً للشعب الكويتي لم يتخلص آثارها لحد الآن؟!!
ثاني هذه الاعتراضات... انغماس الكويت في الحرب العراقية - الإيرانية؛ وانحيازها للطرف العراقي، ونستطيع القول، ها هنا بأن تلك الحرب هي بتدبير خليجي - عراقي... نتيجة لحجم المساعدات التي يتلقاها العراق والتي كانت سبباً أساسياً في حل مجلس الأمة (عام 1986م)... حيث أعقب الحل مباشرة تحويل العديد من بنود الصرف في الميزانية إلى دعم العراق بشهادة باحث حكومي (موظف) في مجلس الأمة... (أنظر، تاريخ الحركة النيابية/ عثمان الحيدر)... ومثل هذا الدعم بهذا الحجم لا يمكن تصوره إلاّ في معاهدة شاملة مع العراق (سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً... الخ).
وهذا ما لم يكن مجلس الأمة، وقتها، مطمئناً له، فأخذ يحاول البحث؛ فقُطِع الطريق عليه بالحل. حقيقةً، كان ميل السواد الأعظم من أعضائه إلى العراق، وقتئِذ، ولكنه لا يرقى لأن يكون باعثاً على عقد معاهدة بهذا الحجم معه. لأن ذلك التصرف يجعل المجلس يفقد مصداقيته، كصرح للديموقراطية السياسية، حين يضع يده بيد أحد أكبر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ المعاصر.
والاعتراض الثالث الذي يتوجه... يوم وقعت الطامة الصغرى التي كانت لازمة للطامة الكبرى... حين أخذ صدام يهدد ويتوعد، على صعيد الفعل... لا على صعيد القول فقط، وذلك بتعبئة جيشه في تشكيلات هجومية يراها الناس، عياناً بياناً، على طول الطريق المؤدية إلى الحدود الجنوبية... ولم يبق إلا دفع المليارات العشرة التي يُطالب بها أو العدوان على الكويت؛ والولايات المتحدة حددت موقفها، صراحة، بأنها لا تستطيع التدخل لعدم وجود معاهدة دفاع مشتركة... أين تلك الموازنة بين الأمن القومي الداخلي... والخارجي؟!! إلى أن جاءت الطامة الكبرى باحتلال البلد!!!!!
والسؤال الذي يستبد بالأذهان، ويجعلها تذعن حيرى عجبى... يغيب عنها وَهْلُها ووعيُها... أبعد كل هذه الوقائع القاطعة في دلالتها، البدهية في فهمها - نقول تميزت السلطة في الكويت بالبسماركية (نسبة إلى فون بسمارك أعظم سياسي في العصر الحديث)... كما يُقال عنه... بسمارك الطبيب... يجرح... ويداوي؟!!!
الأمر الذي يدعو لهذا العرض من الدفوع التي تنسخ ما يطرحه أستاذنا الفاضل... هو الخوف من العودة إلى انتهاج سياسة السلطة في الكويت... خلال الخمسين سنة الماضية، أو الستين... من جديد؛ وذلك على اعتبارها قاعدة ذهبية... حفظت أمن الكويت وأمانها في ما مضى، والحقيقة المرة تشهد، بما لا يدع مجالاً للشك، بنقيض ذلك تماماً (تخلف قاعدة الشيوخ أبخص-)... وبالتالي تتجدد المصائب بالكويت، لا سمح الله تعالى.
لا ضير أن هناك خطأ للسلطة حيث لا توجد عصمة من الخطأ مهما كان التحرز والاحتراس؛ كما كان خطأ الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى في معاملتها لألمانيا... تلك المعاملة التي دفعت إلى الانتقام واشتعال أوار الحرب مرة أخرى، وكما كان خطأ الولايات المتحدة في عدم إدراج روسيا ودول شرق أوروبا في مشروع جورج مارشال لإعمار أوروبا... وكان (ستالين) يتضرع اليهم ليفعلوا ذلك... فكانت النتيجة العذاب النفسي الذي عاشته الولايات المتحدة والقلق من تفوق الروس عليها بالتقنية العسكرية - وصناعتهم لمركبة تدور حول الأرض... بينما لم يستطع الأميركان ذلك (1959 - 1960)، في ما يسمى بالحرب الباردة بينهما... والأمثلة كثيرة.
ولكن كل ذلك لم يكن منهجا تنتهجه الإدارات السياسية في تلك الدول... إنما كان ندّات من هنا وهناك، يدفع إليها الغرور والعناد البشري... المشترك بين جميع البشر سياسيين وغير سياسيين!
أحمد علي الفريح