| بقلم الدكتور وليد التنيب |
كان جاسم ولداً غير معروف الأب والأم... وُجِد لقيطاً عند المسجد... أو عند الز...
عاش صغيراً مع بقية الأولاد الذين تولت الدولة تربيتهم لسبب أو لآخر.
كبر وكبر معه إحساس أن الدولة هي أمه وأبوه.
لم يُبدِ جاسم أي أفعال تدلّ على سخطه من وضعه الذي هو فيه، وإنما كان على درجة عالية من الذكاء والفطنة... استثمر هذا الذكاء بالدراسة.
وكان لجاسم ما أراد... تفوّق في الثانوية العامة، وأهّله ذلك لدخول الجامعة... إبداع في الحياة الجامعية من جميع النواحي الدراسية والأخلاقية... وهذا الإبداع أهّله للماجستير.
مسؤولو الجامعة لاحظوا ذكاءه وفطنته الحادة... رشحوه للدكتوراه قبل أن يتقدم لها.
وفعلاً، كان جاسم على قدر المسؤولية ونال الدكتوراه في مدة قصيرة وبامتياز... ومن جامعة يفتخر الكل بذكر أنه قد زارها... فكيف جاسم، وهو الذي تخرج فيها؟!
في الجامعة التي تخرّج فيها جاسم لاحظ المسؤولون عنه إبداعه وقدراته العقلية المتفوقة... لذلك، تمّ الطلب منه البقاء وعدم الرجوع إلى البلد الذي جاء منه.
عاد بعدها للبلد الذي أحبه والأمل والطموح، وقبل ذلك الجد والإخلاص في العمل يسبقه.
أحبّ البلد، وهو الذي لا يعلم من أبوه ومن أمه.... ولكنه الإخلاص لمن ربّاه.... وكان يردد دائماً أن البلد هي أمه...
تقدم للعمل في أكثر من جهة بالبلد وقوبل طلبه بالرفض لأسباب هو وأنا وأنت نعرفها.
ولكنها الحاجة لتخصصه هي التي سهّلت له التعيين في إحدى الجهات الحكومية المرموقة والتي يتمنى الكل العمل بها لما لها من كوادر يسيل لها اللعاب.
فعلاً، أثبت وجوده في العمل بسرعة لأنه يتمتع بالذكاء ولأن من ينافسوه في العمل تم تعيينهم كما أنت وأنا نعرف... فهذا المكان لأبناء الحسب والنسب.... وليس للإبداع أو الأخلاق مكان.
بعد أقل من سنة، اكتشف جاسم من واقع اطلاعه وجود اختلاسات ورشاوى متورط بها بعض أبناء الحسب والنسب... كما اكتشف عقوداً تُخسر البلد الملايين، ستوقعها الدولة بسبب جهل بعض القائمين على هذه القوانين أو...
اتجه بالمستندات التي تدينهم إلى رئيس الـ... عارضاً عليه التجاوزات... كان رد الرئيس سريعاً ومدهشاً!
طلب اجتماعاً مع جميع المديرين ونوابهم بحضور جاسم... كان جاسم مبتهجاً لهذا الاجتماع الذي سيوقف به سرقة البلد ويحافظ على أموال البلد التي ربّته.
قال الرئيس للحاضرين... اليوم جاء لي اللقيط الذي رماه أبوه وأمه في الزبالة ليتهم أبناء العوائل بالسرقة... وليعلم هذا اللقيط أن مكانه الزبالة وسنعيده إليها!
هنا، وفي هذه اللحظة، جفّ القلم وسُرِق البلد.