| فيصل عمر الهاجري | كما يعلم الكثير من الناس فإن المؤرخ الإسلامي المعروف محيي بن خلدون قد ألف كتاباً شهيراً يحمل عنوان (مقدمة بن خلدون) ويعد هذا الكتاب الذي تزخر به أرفف العديد من المكتبات العالمية من أهم المصادر التي تتناول تاريخي العرب والمسلمين، فلا يمكن للباحث في هذا المجال تناول هذا التاريخ دون الرجوع إلى تلك المقدمة المتوافره في كافة بلدان العالم.عن طريق الصدفه، وقعت بين يدي نسخة لمخطوط قديم صعقت بعد لحظات من معاينة عنوانه وما يحتويه من صفحات... فأنا في تلك اللحظة الشخص الوحيد الذي حظي باقتناء (مؤخرة بن خلدون) المكملة لمقدمته، والتي لا تقل أهمية وحجما وفعالية عن مقدمته. ومن خلال قراءتي لها اكتشف أن بن خلدون كتب هذه المؤخرة تكفيراً وإصلاحاً للأخطاء المنهجية القاتلة التي سقط فيها في مقدمته، ولكن السلطات آنذاك لم يعجبها حديث المؤخرة فقامت بإعدام جميع النسخ عدا هذه النسخة التي عثرت عليها صدفةً لحسن حظي وطالعي... ويعد الكتاب على ما يبدو محاولة ناجحه في قراءة تاريخ ما بعد بن خلدون بذات منهجية بن خلدون، ففي واحد من فصول مقدمته عمد بن خلدون إلى تصنيف الأعراب إلى ثلاثة طبقات حسب درجة توغلهم في الصحراء، ودرجة ابتعادهم عن مستلزمات المدينة.أقصى درجات الجلافة في الأعراب، هم أولئك الذين يعتمدون على الإبل في معيشتهم وتنقلهم، يليهم أولئك البدو الذين يعتمدون على الماعز والغنم، يليهم في الصف الأخير من البداوة، أولئك البدو الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة.والذي يحير ابن خلدون في مؤخرته، هو كيف تمكن الأعراب بعصبيتهم وعشائريتهم وشغفهم بالغزو ومحدودية تفكيرهم... كيف تمكنوا من حمل الراية العسكرية الإسلامية، والاستيلاء على رأس الهرم في السلطة السياسية وصنع إمبراطورية عظيمة نقلت العالم بضع درجات حضارية إلى الأعلى، لا بل وصلوا ذات عصر إلى قمة الحضارة العالمية.الذي( طلّع روح) ابن خلدون أن هؤلاء الأعراب نقلوا العالم حضارياً إلى الأعلى، لكنهم بقوا على حالتهم الأولى... بدؤوا يحاربون الحضارة ويصنعونها في ذات الوقت لا بل انهم تمكنوا من إزالة منجزات حضارية سابقة، كالعجلة مثلاً، والتي استخدمها الاثينيون في حروب طروادة قبل قرون عدة قبل الميلاد، كذلك استخدمها الفراعنة والهكسوس والرومان... لكن الأعراب الذين أسسوا إمبراطورية لم يستخدموا العجلة لا في الحرب ولا في السلم واعتمدوا في تنقلات جيوشهم على الإبل والخيل فقط، فلم يصنعوا الطرق المعبدة والمرصوفة، ولم يبنوا مدناً غير مدن المتعة، ولم ينشئوا المرافق العامة. ولا تزال ملاحظة ابن خلدون في مؤخرته قائمة حتى اليوم... إذ لا نزال حتى ساعة إعداد هذا المقال، فئة رابعة من الأعراب، ويمكن اعتبارنا متحفا تاريخياً للبداوة (وربما لهذا السبب لم تتم إزالتنا حتى الآن)!فلا يزال في دواخلنا الأعرابي الأول والثاني والثالث، وما زلنا عرباً عاربة رغم ارتداء الجينز وجلوسنا أمام التلفاز واستخدام النت والهاتف النقال.. لا نزال بدواً استهلاكيين، ترسخت فينا جميع مواصفات البداوة عدا الشجاعة والكرامة والإباء... إذ فقدناها على عبر دوران القرون.(أنتم) «أعراب التشكن والباستا والمايونيز وبدو الباسكــــن روبنز»... هكذا وصفكم ابن خلدون في مؤخرته.
متفرقات - فضاء كويتي
ابن خلدون
فيصل عمر الهاجري
11:57 م