| أنوار مرزوق الجويسري |
لطالما كنا نعزف على وتر المبادئ، ونرتل أشعار الأخلاق، ونخترق الصمت بالبوح بشتى القناعات، قناعات كثيرة مثل رفض الظلم، الإنسانية، الضمير الحي، الرأفة بالضعيف، السياسة الكاذبة، الإعلام المشوّه، ومبادئ أخرى كثيرة نظّرناها تنظيراً طال أو قصر إلا أن التنظير لابد ويُجرّب على أرض الواقع، ويُختبر بميزان الأعمال، ولم تواجه الأمة اختباراً كهذا من قبل، حيث نختبر مبادئنا وثباتنا على تلك المبادئ، ونختبر أنفسنا ومواقفنا كما يقول المثل الشعبي «هذا الميدان يا حميدان».
أحداث مصر هي الميدان الحقيقي لاختبار مدى ثبات الواحد منا على مبدأه، واختبار لإنسانية كل فرد منا، فلا شك قد يتراجع الفرد ويتردد عند الدفاع عن قضية ما لقلة المعلومات وندرة الخبرة، إلا أن بعض المواقف تمس قناعات متأصلةً فينا ومتجذرةً في عقيدتنا، تلك القضايا لا تحتمل الخذلان، ولا تحتمل التأخر والتردد، فمتى ما رأيت أهل العلم في اختلاف والإعلام في تعارض وتضارب والأرواح تزهق والأبرياء العزل يُقتلون فاعلم أنك تواجه اختباراً حقيقياً لمبادئك التي كنت في وقت الرخاء لا تساوم عليها.
عندما يأتي الحديث عن المبادئ فلا مكان للتعصب مع حزب ضد آخر، ولا مكان للتعميم حول أهداف هذه الفئة أو تلك، كما أنه لا مجال إلا للحكم على الأفعال واحداً تلو الآخر دون الحكم على الأشخاص والمذاهب والأحزاب، ذلك لأننا على يقين بأن الدفاع عن القضية لا يقتضي دفاعاً عن فئة قد تُخطئ وتُصيب لما لها من صفات الإنسانية، غير أن القتل لا يُبرر في دين ولا في خلق ولا قانون، فماذا تقول مبادئك وماذا تفعل قناعاتك في مواجهة الظلم؟
دعونا لا نحصر الظلم في أكل مال اليتيم وقتل نفس بغير حق، ولنر أشكال الظلم وصوره التي تبدأ بالصمت وتنتهي بقرارات هنا وهناك وتمر بتأييد للقاتل أو حتى تصفيق له، فلنوسع مفهومنا للظلم ولنعمق نظرتنا أكثر، فقد نشارك بالقتل دون أن نعلم وقد تكون نظرة منا تُكتبُ ظلماً أو صمت يُكتبُ خذلاناً، فأين نحن من إنسانيتنا؟!
المقام هنا مقام استحضار للمبدأ أكثر منه وعظاً وإرشاداً، والضمائر لا تصحو بليلةٍ وضحاها لكن قد يُوقظها مشهد الدم المسفوك، ولنجعل مبادئنا تتمثل ببراءة من كل قطرة دم وبدعاء لا ينقطع، ولا عزاء للإعلام المنحاز فلا مبدأ ولا ثبات!

@anwar1992m
anwaraljuwaisri@hotmail.com