| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
هناك طابع تراكمي بطيء ينشأ من عمليتين كبيرتين في الحياة هما التخلف والتقدم، وما أن يشعر الناس أنهم يعانون من شيء من التخلف إلا وبدأوا في التفكير للتخلص منه، ويبدأون بالبحث حول حقائقه ومظاهره في حياتهم، ومنها يتم تحديد الخطوة الأولى على طريق الخلاص من هذا التخلف أيا كان مجاله، سواء كان تخلفا فكريا، أو ثقافيا، أو تعليميا، أو اقتصاديا، أو سياسيا، أو صحيا، أو...أو...
إن أول آية نزلت على نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فيها أمر بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وهذا دليل واضح على أن مشكلة الأمة منذ بزوغ فجر الإسلام هي (الجهل)، الجهل بالله جل جلاله وبالأنفس وبالواقع وبطرق التقدم، الجهل هو أساس كل تخلف، وهو آفة عظمى تعاني منها الأمة، وما يحدث اليوم في جمهورية مصر العربية له دلالات كبيرة ومعقدة أساسها الجهل، ومن هنا ندرك أن حجم معاناتنا ضخم بضخامة ما يحدث من انتهاكات خالفت وناقضت وتصادمت مع كل الشرائع السماوية، وكافة الصكوك الدولية، وقواعد الإنسانية.
نحن ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن وجود الثوابت والقواعد والأصول في حياتنا هو الذي يؤمّن لنا طريق الوجهة الصحيحة، وتمسكنا بهذه الثوابت يعني شيئا مهما في حياتنا وهو نشر الوعي والارتقاء بالفهم العام لأحوال العباد والبلاد، ونؤكد في هذا السياق إلى ضرورة نقد أساليب وأدوات وخطط وتصرفات الأشخاص والآراء والاجتهادات المتعلقة بالتنمية والنهضة، لنتخلص من الجهل بأنفسنا وواقعنا وطرق تقدمنا، ونحتاط من الوقوع بفخ التآمر على أبناء أمتنا، وحتى نقتلع ونجتث الفساد والظلم والرشوة والكذب والادّعاء من جذوره، ولا نقع في شراك الإجحاف والاضطهاد والقتل والحرق كما حدث مع أبناء الشعب المصري.
إن ما تحتاجه الأمة العربية الإسلامية اليوم تحويل القيم إلى إجراءات، أي إيجاد الأطر والأدوات والنظم التي تساعد على تجسيد القيم والمبادئ السامية في الحياة العامة، وتصبح دستورا ينظم حياتنا ويحفظها من الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية، ما يدمي قلوبنا حقا أن من قام بممارسات العنف والقتل والحرق هم أفراد الجيش الذين يفترض أن يكونوا هم من يجسد المبادئ والقيم السامية بأفضل الأساليب بتعاملهم مع الناس، وهم من يرسخ مبدأ العدل بين أفراد الشعب، هذا المبدأ العظيم الذي قامت عليه السماوات والأرض، واستوت قدسيته على نفوس العالمين، ويفترض أنهم من يؤصلون هذا المبدأ في جميع معاملاتنا الحياتية، حتى وإن لم نجد جهازا قضائيا يتمتع بالاستقلالية والنزاهة، لينصفنا ويعدل في ما بيننا.
إن الله سبحانه وتعالى قسّم الإمكانات الذهنية على الأمم بالتساوي وعلى الأفراد بالتفاوت، برأيي ما يسعف ويخلص الأمة الإسلامية العربية من الأزمة الحالية، ويبتر ويستأصل شوكة الضياع من مصر، هو الإقلاع الحضاري، والإقلاع يحتاج إلى وقود روحي وجهد إنساني غير عادي، لإشعال شرارة الانطلاق، ولن تشتعل هذه الشرارة إلا باتحاد وتوحيد وجهة العلماء والمثقفين والقادة وأهل التميز من العرب والمسلمين، لمواجهة طوفان تغيير الاتجاهات والمجالات، وانتكاسة الحق بإبطاله وإحقاق الباطل بإحقاقه، عند هؤلاء المجرمين، عليهم من الله ما يستحقون
 
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib