في يوم 28/ 3/ 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديموقراطية والأحزاب والرجعية، ووصلت الخطة السوداء ذروتها عندما اشترى جمال عبدالناصر (صاوي أحمد صاوي) رئيس اتحاد عمال النقل ودفعهم إلى عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات، وشاركهم عدد كبير من النقابات العمالية، وقد اعترف الصاوي بأنه قد قبض 4 آلاف جنيه مقابل تدبير تلك المظاهرات.
لم تكن تلك الخطة المدبرة إلا مقدمة لإجبار اللواء (محمد نجيب) على الاستقالة بعد أن استنفد دوره المسرحي في قيادة ثورة 23 يوليو 1952 ووضع نجيب على رأسها لما كان يتمتع به من شخصية مقبولة ومكانة رفيعة بينما كان الثوار الأحرار بقيادة عبدالناصر لا تصل درجاتهم إلى أدنى الرتب العسكرية ولا يعرفهم أحد وبالفعل فقد قطف الثوار الأحرار ثمرة تآمرهم على مصر، وعاشت مصر ستين عاماً من الحكم الديكتاتوري ضريبة انخداعها بالشعارات التي رفعها الجيش وخديعته للشعب المصري، وتم سجن نجيب حتى عام 84.
عندما سمعت خطاب وزير الدفاع السيسي قبل أيام يدعو فيه الشعب المصري للنزول إلى الشارع لإعطائه التفويض بالتصدي للإرهابيين، تذكرت الفيلم الشهير «لجيمس بوند» (License to kill) أو (رخصة للقتل)، فالسيسي قد طلب تفويضاً من الشعب المصري أن يعطوه الموافقة على قتل من يتصدى لثورته المجيدة، وهو ما فعله بعد يومين من مجزرة بحق المتظاهرين تلتها مجازر أخرى ستنتهي بسيطرة العسكر على الحكم كما فعل جمال عبدالناصر، وتعيش مصر أحلك أيام الديكتاتورية التي اعتقد الشعب المصري بأنه قد تخلص منها إلى الأبد بل إن السيسي قد خطا خطوة أخرى عندما طلب من رئيسه الذي عينه بأن يصدر قانوناً للطوارئ يضاهي قانون الطوارئ السابق، وخطا خطوات لاعتقال كل من يعارضون ثورته المجيدة!!
أنا لا أتعجب مما فعله السيسي فهذا هو دأب العسكريين في كل زمان، ولكني أتعجب من موقف النخبة العلمانية في مصر التي صفقت للسيسي وأقرته على كل ما يفعله، وهذا هو دأب النخب العلمانية في بلادنا العربية في كل زمان ومكان، فهم يتحالفون حتى مع الشيطان إن كان ذلك يخلصهم من الإسلاميين، وعندما استمع إلى مقابلات القيادات العلمانية في الفضائيات العربية وأسمع تبريراتهم حول القبول بما يفعله السيسي أجد بأنها لا تتعدى ترديد الببغاوات للكلام من دون وعي ولا تدبر، فالمهم هو التخلص من الإخوان حتى ولو انزلقت مصر إلى حرب أهلية مدمرة.
أما الأزهر الشريف فيؤسفني موقف شيخه الذي برر الانقلاب العسكري وزينه للناس ثم عندما تكشف له حقيقته قام بالاعتكاف في مسجده!! أما موقف بعض السلفيين في مصر فهو لا يقل سوءاً عن موقف شيخ الأزهر من الانقلاب!! عسى الله تعالى أن يحفظ مصر وشعبها من كل سوء.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com