كتبت مرام مكاوي في «الوطن» السعودية مقالاً جميلاً حول الإنترنت بعنوان «فيس بوك!»، وهو بالمناسبة اسم لأحدى صفحات الإنترنت الشهيرة. ليس المهم ما هو الموقع، ولكن أهمية مقال الكاتبة أنها توجهت بعد التعريف بهذا الموقع إلى الفائدة المرجوة من دخول الشاب إلى «السايبر سبيس»، والتعرف عن قُرب للكيفية التي يُفكر بها الإنسان العربي والمسلم بالنظر إلى زياراته الافتراضية واستعمالاته لهذا العالم العنكبوتي.كُل الحق مع من يتخوف من الإنترنت كونه يحمل مخاطر كثيرة خصوصاً للأطفال والشباب، إلا أنه من الخطأ كذلك الاعتقاد بأن المنع هو حل المشكلة. التحدي الأكبر الذي يواجه المُربي اليوم مع هذه التقنيات أنها متوافرة بصورة ذكية تجعل ممن يريد المنع كمن يحفر بالبحر.قبل أن تعرف ما أقصده من هذا القول، سأتوقف قليلاً عند التطور التاريخي للتكنولوجية، وهي معرفة ليست جديدة عليك، ومن ثم نُكمل الحديث عن المراقبة. حينما تسترجع ذكريات بدايات التلفزيون في سبعينات القرن الماضي، تستحضر مباشرة القناة الأولى والثانية (الأجنبية) والألوان التي كانت تملأ الشاشة قبل بداية العرض في الصباح وحتى الثانية ظُهراً وفي آخر الليل كعلامة لانتهاء البث. ثم تطورت الأمور فأصبحت القنوات تملأ الفضاء وساعات البث طوال اليوم وعلى مدار الساعة. أخذت التقنيات تتعقد أكثر فصارت الكومبيوترات وعالم الإنترنت يغزو الناس. الخيارات مع الإنترنت تبدلت من تنوع في المشاهدة «السلبية»، كما هي حال الشاشة الصغيرة إلى خيارات أكثر «ديناميكية» يكون فيها المستخدم هو البطل والمستمع والمتحدث والمنتج والكاتب والمخرج. هذه الاستعمالات لم تقتصر على الترفيه فحسب، بل امتدت وكما يقول عالم الاجتماع مانويل كاستلز لتشمل الضرورات كالمعاملات الحكومية والتجارية والأكاديمية والاجتماعية. وما زاد الأمر ضرورة وسهولة توافر هذه الاستخدامات على الأجهزة المحمولة ووسائل الاتصال الشخصية. هذه الجولة المعروفة من التطور الفني والتاريخي للتقنية تساعدنا لنتوقع إلى أين تذهب هذه الشركات في منتجاتها. فالتقنية تسير كلما تقدم الزمن باتجاه المزيد من الخصوصية، ضرورة حياتية، وانخفاض التكلفة (مال وجهد). هذه الاتجاهات جعلت الشركات الكُبرى وعقول مفكريها تبتدع سياسة تسويقية عنوانها استراتيجية الدفع، وفيها تُرسل للمستخدم المعلومات (صور ورسائل) حتى ومن دون أن يطلبها، كبديل عن استراتيجية السحب التقليدية، أي بانتظار المستخدم ليبادر هو بالزيارة والطلب.الخصوصية وانخفاض التكلفة وسياسة الدفع وتعدد الوسائط وتنوع البيانات كلها عوامل جعلت المركزية في الرقابة والمنع ضربُ من الخيال العلمي وأقرب إلى حكايات الغول و«حمارة القايلة». وإن كان المنع اليوم شبه استحالة، تظل الرقابة عاملاً مساعداً إن لم يلتفت المربي إلى العوامل الأخرى، أهمها وعي ولي الأمر بهذه التقنيات والإلمام بها، إلى جانب التثقيف الدائم الذاتي والدنو من عالم الشباب، وصدق الشاعر:«وغير تقي يأمر الناس بالتُقىطبيب يداوي الناس وهو عليل».
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتيhasabba@gmail.com