ممدوح إسماعيل

تمر الصحافة في مصر بأزمة معقدة وصلت إلى صدور أحكام بالسجن على خمسة رؤساء تحرير صحف في وقت واحد، وهو ما اعتبره البعض أنه للمرة الاولى يحدث في مصر. ولم أستطع بعد البحث إلى الوصول إلى الحقيقة: هل هذه سابقة لم تحدث من قبل أم حدثت في مصر؟ لكن الواضح أن الأزمة أدت إلى اشتعال حالة من الغضب في أوساط الكثير من الصحافيين وقد تفاقمت الأزمة إلى مظاهرات ومؤتمرات واحتجاب للعديد من الصحف. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل الأزمة أزمة حرية صحافة في مصر أم أزمة على ارتفاع سقف الحرية أم هي أزمة خروج على الضوابط؟ الإجابات مختلفة حتى وصلت إلى أنها أزمة للحرية في مصر، ولكن النظرة الهادئة إلى الحالة الصحافية في مصر تقرب المراقب إلى الفهم السليم لما يحدث في مصر. فالحقيقة الواضحة التي لاخلاف فيها:1 - إن الصحافة في مصر في الاعوام السابقة تمر بحالة حرية صحافية لم تحدث منذ أعوام طوال والصحافيون يعترفون بذلك ولكنهم يقولون إنها بالمزاج الحكومي وليس لها ضوابط حاكمة تحمي الصحافيين والكتاب. 2 - إن عدد الصحف الصادرة في مصر ارتفع بطريقة لافتة للنظر، وخصوصاً بعد صدور قانون يجيز إنشاء شركات للصحافة، حتى إنني سألت أحد باعة الصحف المخضرمين عن صحيفة فلم يعرف، ثم قال لي يا أستاذ أنا لي خمسون عاما أبيع الصحف وكنت أحفظ أسماءها كلها وأيضا المجلات، أما الآن من كثرتها فلم أعد أستطيع حفظ أسماء كل الصحف الجديدة.3 - إن سقف المعارضة عبر الصحف فقط ارتفع في مصر بطريقة لافتة وغير مسبوقة ولا توجد في أي دولة في العالم العربي، لانها لا تخلو صحيفة من صحف المعارضة في مصر منذ اعوام من انتقاد رئيس الجمهورية والحكومة.. كلها من دون استثناء. وهنا مربط الفرس، فالحكومة المصرية تعلن أن الحرية لها حدود، وأن السقف له حدود ولكن الصحافيين يريدون حرية بلاحدود ولا سقف للمعارضة وحكماء الصحافة لايرفضون الرقابة القضائية، لكن من دون سجن للصحافيين. والشعب المصري لا يهمه هذا الخلاف،إنما يريد فقط من يذهب عنه همومه ويعبر عن مشاكله مهما كانت الطريقة.. فالشعب يرى أن تعدي الخطوط الحمراء في الصحف هو أفضل طريقة للتنفيس عنه، والكثيرون في النخبة الثقافية والسياسية يرون في الأزمة أنها تعبير عن حالة احتقان، ويرفضون الطريقة التي تم بها صدور حكم على الصحافيين. هذا باختصار مضمون المشكلة القائمة في مصر الآن، ولي معها وقفات سريعة عدة من دون تفصيل، فما بين السطور يغني -أولا- أنه من اللافت أن ثلاثة من الصحافيين الصادر ضدهم أحكام بالحبس كانوا من مؤسسة صحافية حكومية واحدة وهي «مجلة روز اليوسف» وأنهم كانوا وقتها من الموالين للحكومة، لكن بعد انفرادهم برئاسة تحرير صحف خاصة انقلبوا إلى المعارضة. ثانيا: إن بعض الصحافيين في مصر يشعرون باستعلاء على الشعب المصري في بعض المواقف المهمة، فهم يريدون حرية بلا قيود مطلقا، وهذا يصطدم مع أن مصر دولة عربية إسلامية لها دينها الرسمي الإسلام وعاداتها وتقاليدها التي يجب أن تحترم. ولكن بعض الصحافيين يريدونها حرية غربية في هذا المضمار، لذلك تقع من الصحافة بعض الإساءات المصطدمة بدين الشعب الإسلام بدعوى الحرية، ما يسبب غضبا شعبيا وهو يتكرر على فترات، أما حرية النقد السياسي فهي حق مكفول للجميع وليس للصحافيين فقط. وهنا مربط الفرس أيضا حيث إن الحكومة وصحافييها يعلنون مبدأ حدود السقف في المعارضة السياسية والصحافيون يريدونها بلا سقف مطلقا.ثالثا بعض الصحافيين يستغلون حرية الصحافة لتحقيق مآربهم. مثال البعض يفتعل حملة صحافية لابتزاز أحد رجال الأعمال وهو مشهور ومعروف في مصر، ثم يتحدث عن حرية الصحافة لتكون مطية له،وأخيرا الصحافيون ليسوا ملائكة معصومين، وحرية أقلام الشرفاء منهم ضرورية لتتصدى للفساد والانحرافات، ولابد من حماية الصحافي الذي ينتقد الاستبداد السياسي أو له رأي مخالف للحكومة. ولكنني أرى أن الأزمة الحالية لاتحل عن طريق السجن ومصادرة حرية الاقلام الشريفة، ولكن عن طريق وضع الضوابط التي يتفق عليها الصحافيون في نقابتهم وبما يوافق الدستور.

ممدوح إسماعيل

محام وكاتب مصريelsharia5@ hotmail.com