| القاهرة - من نهى الملواني |
أثارت فتوى إجازة الخلوة الشرعية داخل السجون المصرية ـ والتي ساندها بوضوح اخيراً مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل ـ ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ومعارض بين علماء الدين والاجتماع وخبراء القانون والأمن.ويأتي هذا الانقسام رغم أن حق الخلوة الشرعية بين المسجونين وزوجاتهم من حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية، كما أن العديد من الدول العربية الأخرى سبق أن طبقت بنجاح تلك التجربة كان أولها السعودية منذ العام 1987، وتبعها كل من «الكويت واليمن وليبيا وتونس والمغرب وقطر والإمارات العربية».لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري من جانبها.. كانت طالبت في أبريل 2006 بتطبيق حق الخلوة الشرعية للمسجونين، وذلك بعد جولة للجنة في سجون مصر وحدوث حالات وفاة بين سجناء أصيبوا بالإيدز في سجن بورسعيد «شمال غربي القاهرة».«الراي» تابعت هذه القضية الخلافية.. وسألت عن أسباب الخلاف حول تطبيق تجربة الخلوة الشرعية داخل السجون المصرية؟مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل قال لـ «الراي»: «إن السجن عقوبة شخصية وليست عقوبة جماعية لقوله تعالى»: (ولا تزر وازرة وزر أخر). أي إن العقوبة لا تنتقل إلى شخص آخر، ومن حق زوجة المسجون ألا تحرم من الحقوق الزوجية الخاصة؛ لأن الحياة الزوجية إذا استمرت بين الزوجين ولم تطلب الزوجة الطلاق بعد دخول زوجها السجن فمن المفروض أن تكون هناك حقوق زوجية شخصية خاصة بين الزوجين - أي المعاشرة الزوجية - حفاظا على الأسرة والأبناء»، مشيرا إلى ضرورة توفير الفرصة لالتقاء الزوجين سواء كان ذلك في مكان لائق داخل السجن أو بالخروج من السجن إلى مقر الأسرة، بحيث يتم تخصيص وقت محدد لهذا الغرض.وأضاف: «إن الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته ليست نوعا من الترفيه، بل هي واجب مثلها مثل الصلاة؛ لأن العلاقات الزوجية أحق عبادة كالصلاة والزكاة، وقمة العبادة هي ارتباط العلاقة الزوجية بما يحقق الغرض منها وهو بناء أسرة سليمة اجتماعيا ووجود النسل الصالح».
اتفاق في الرأيواتفق معه في الرأي عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر الدكتور محمد رأفت عثمان قائلا: «إن العقوبة التي يقضيها المسجون هي عقوبة شخصية نظير خطأ وقع منه هو أو مخالفة ارتكبها، وبالتالي يجب ألا يتعدى أثر العقوبة لأسرته خاصة الحقوق الجنسية للزوجة.ولفت عثمان الانتباه، إلى ثلاثة أمور مهمة لبيان الحكم في هذه المسألة، فمن المسلمات أن زوجة السجين لم تنقطع صلتها به، بل الزوجية قائمة باقية ، ثم إن الغريزة الجنسية موجودة لدى الرجل المحكوم عليه بالسجن، وأيضا لا يجوز أن يتعدى أثر العقوبة لأحد خلاف الجاني المستحق لها كالزوجة وغيرها»،وأوضح أنه من خلال ما سبق يتجلى حق السجين في الخلوة بزوجته وضرورة توفير هذا الأمر له، لأن الرغبات والغرائز لا يصح إغفالها أو التغافل عنها، وخصوصاً أن تجاهلها وإهمالها يؤدي إلى تأثيرات نفسية وسلوكية غير سوية، وهو طريق آخر لانحراف السجناء، والحل الصحيح هو السماح بلقاء خاص في مكان مهيأ بين السجين وزوجته، إذ ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من ذلك وفق ظروف إنسانية لا تخدش حياء السجين أو زوجته.وقال الشيخ محمد العباسي (إمام وخطيب): «إن ما يحدث في كثير من السجون من انتشار اللواط بين السجناء وسائر الانحرافات الخلقية ما هو إلا نتيجة لإهمال مثل هذا الأمر وعدم مراعاته.وأشار إلى أن الغريزة لا تقتصر على الرجل فقط بل هي أمر فطري في الزوجة، وإهماله وعدم مراعاته قد يؤدي إلى انحراف الزوجة لتلبية هذه الغريزة بغير الطريق الشرعي لها، وهذا يؤدي ولا شك إلى فساد المجتمع وظهور الزنى وغيره».وأوضح أن الشريعة الإسلامية عملت على سد كل الطرق المفضية إلى انتشار الفحشاء بين الناس، وعملت كذلك على حماية الفرد والمجتمع من طرق الغواية، وبالتالي لابد أن يكون هناك مكان آمن مجهز يجتمع فيه الرجل بزوجته، بحيث لا يطّلع عليهما أحد وأن يكون هذا بصفة دورية.ولم يتوقف التأييد على علماء الشريعة فحسب، بل انضم إليهم علماء الاجتماع والقانون ،واتفقوا على أن في حالة تطبيق هذه التجربة في السجون سيؤدي هذا إلى انخفاض معدل الجريـــمـــــة والانــحراف وتراجع الممـــــارســـــات الجـــــنســـية الــــشـــــاذة. رئيس رابطة المرأة العربية الدكتورة هدى بدران قالت: «إن الخلوة فكرة تنسجم مع الطبيعة الإنسانية والاجتماعية للفرد».* تهذيب وإصلاح وأكد الفقيه القانوني والأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة الدكتور صوفي أبو طالب أن «الخلوة الشرعية سوف تسهم في تهذيب وإصلاح السجين». مشيرا إلى أن توفير الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته سوف يحقق غرضين،الأول: توبة الشخص توبة نصوح، لأنه سيكون مرتبطا بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى. الثاني: الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف وخاصة الزوجة إذا كانت شابة صغيرة وليس لديها القدرة على الصبر على البعد عن زوجها. أما عن المعارضين لتطبيق تجربة الخلوة الشرعية في السجون المصرية، فيأتي في مقدمهم النائب العام السابق وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان المستشار جمال شومان، الذي اعتبرها امتهانا للمرأة كما أنها تعطي حقا للمسجون ليس من حقه. وأيده في الرأي الخبير بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور أحمد المجدوب ، قائلا: «إن السجن ليس المكان المناسب لممارسة المعاشرة الجنسية أو الحق الشرعي بين الزوجين، فتطبيق نظام الخلوة الشرعية يتطلب توفير أماكن خاصة يستطيع الأزواج لقاء زوجاتهم فيها من دون أن يمس ذلك من كرامة الزوجات؛ لأنه لا بد من رعاية كرامة الزوجة التي تذهب إلى زوجها المسجون بغرض المعاشرة الجنسية والخلوة الشرعية».
إهدار كرامة المرأةوأوضح المجدوب أنه لا يتوقع أن توافق الزوجة على رغبة زوجها بأن تذهب بنفسها لإدارة السجن وتطلب لقاء شرعيا مع زوجها السجين؛ لأن ذلك بمثابة إهدار لكرامة المرأة المسلمة، مشيرا إلى أن المساجين الذين لا تزيد مدة سجنهم على سنة يمثلون 70 في المئة من المساجين، فهل يحتاج هؤلاء إلى الالتقاء بزوجاتهم في السجن؟ كما أن نسبة المساجين المتزوجين لا تتعدى 35 في المئة من مختلف الأعمار، أما النسبة الباقية 65 في المئة فيتوزعون ما بين العزاب غير المتزوجين والأرامل والمطلقين.وانتقد مساعد وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد عبد الفتاح عمر، فكرة الخلوة الشرعية في السجون قائلا: انها لا تناسب جميع السجناء ولا حالتهم الاجتماعية»، معللا ذلك بأن بعض المحكوم عليهم بالسجن، وبعض المعتقلين لهم أكثر من زوجة، فهل المطلوب من وزارة الداخلية في هذه الحالة أن تعدل بين الزوجات، أم تترك أمر العدل للزوج الذي دخل السجن بعد أن افتقد ضميره، وارتكب إحدى الجرائم؟ وتساءل: هل هذه التجربة ستطبق على سجن النساء المحكوم عليهن في بعض القضايا؟ وكيف تقوم وزارة الداخلية بالتوفيق بين زوج محبوس في سجن وزوجته المحكوم عليها في سجـــن آخر…؟وأكد عمر على أنه لا بد من المراجعة والتمحيص الجيد لهذه الفتوى، فماذا يكون الحكم إذا امتنعت الزوجة عن مقابلة زوجها المسجون؟ هل تعتبر ناشزًا؟ وإذا رفض الزوج مقابلة زوجته المسجونة فهل من حقها أن تطلب الطلاق للضرر أو تخلعه؟ وأضاف: «إذا طبقت هذه الفتوى فهل يجب على وزارة الداخلية أن توفر مكانا يطلق عليه راحة المسجونين، للخلوة الشرعية، بين المسجون وزوجته، وإذا كان المفتي قد أراد من فتواه المعاملة الإنسانية للمسجون فأين كانت إنسانية المسجون يوم قتل وسرق وحرق وشرد أو أهلك الحرث والنسل فهذه المبادئ تفوق كثيرا في مثاليتها الفظائع غير المتصورة ووقائع التعذيب داخل سجون الولايات المتحدة الأميركية ذاته».