د. يعقوب أحمد الشراح

أشارت الصحف أخيرا إلى دراسة تبحث في موضوع تفكيك جهاز التخطيط وتحويل ادارتها إلى المجلس الأعلى للتخطيط في اطار فلسفة تقليص الاجهزة وتوحيدها ومنع التشابكات والتداخلات في الاختصاصات والاعمال. وهذا الاتجاه كان دائما محور الحديث لدى القيادات في الدولة، خصوصا وان الكثير من الخطط لم تكن تنفذ، والتنسيق مع الاجهزة الحكومية المختلفة من أصعب الأمور.ونحن لا نعلم الصورة الجديدة المقترحة لقطاع التخطيط في البلاد، فلقد كثر النقد وعدم الرضا منذ أعوام لدور جهاز التخطيط، وهذه الانتقادات مازالت توجه انطلاقا من ان الخطط المرصودة التي يضعها التخطيط هي حبر على ورق، وكلام في كلام، وتنفيع للجان والمجالس التي تستمر في اجتماعاتها أعواما طوالاً من دون ان يرى الناس نتائج ملموسة على أرض الواقع. فلو كان الكثير من الخطط التي أوصت اللجان بتنفيذها في الأعوام الماضية نفذت فعلاً لكان الكثير من المشكلات التي يعاني منها المواطن اليوم لم يعد لها وجود، خصوصا في ميادين البنية التحتية كالصحة والتعليم والكهرباء والطرقات والسكان والاسكان وغيرها. ويلاحظ من الواقع ان التخطيط في غالبية عملياته تخطيط نظري لا يمكن تطبيق جوانبه كافة التي هي من صميم عمل مؤسسات الدولة بسبب الغموض وضعف الامكانية وقلة الوعي بها. بل ان العلاقة بين قطاع التخطيط المركزي والاجهزة الحكومية تشوبها الخلافات بسبب المركزية التخطيطية، وعدم التعاون، وسوء الفهم، والتعثر في الاجراءات وغيرها. فلا غرابة ان تتعطل المشروعات في شتى القطاعات، ويعاني الناس من هذا التعطيل وسوء التنفيذ لأسباب عدة ابرزها الفجوة من التخطيط والتنفيذ، وعدم فهم الطبيعة الميدانية،  وتعثر التنسيق، وضعف المتابعة.الدراسات كلها تشير إلى ان العمل بمفهوم التخطيط المركزي اتجاه فاشل في عالم اليوم الذي يتصف بالتغيرات الكثيرة، وسرعة الانجاز،  وملاحقة المستجدات، فلقد بدأ هذا النوع من التخطيط المركزي واستخدامات أدواته في الاتحاد السوفياتي سابقا، استمر سائدا إلى أن تفكك الاتحاد السوفياتي، فتغيرت أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والمعروف ان التخطيط المركزي هو النمط الذي لا يبدأ من القاعدة، وإنما يأتي من قمة الهرم له خصائص فوقية، وآليات جامدة، وتوجهات غير قابلة للتغيير، فهو تخطيط مهيمن يعبر عن آراء ورغبات وتوجهات القادة، ويضع قيودا غير قابلة للتبدل.لذلك لا بد من الابتعاد عن هذا النوع من التخطيط الذي لا يأخذ في الاعتبار آليات التنفيذ، والتفكير في ايجاد هيكلة مبنية على وحدات مصغرة جغرافية وإدارية، تتسم بالكثير من المرونة والقدرة على الاداء والانجاز والمتابعة، واللامركزية. ان التخطيط اللامركزي هو السائد اليوم في غالبية المجتمعات  حيث تتوزع الصلاحيات، وتقسم الادوار والمهام على مستوى الدولة في اطار التنسيق مع اجهزتها وقطاعاتها وتقسيماتها الإدارية والجغرافية، فضلا عن تقدم آليات وضعها وتنفيذها فإنها تتصف بالإلزام والمحاسبة والتقويم على النحو الذي يسهل قياس مدى التقدم فيها وحصر العقبات التي تعترضها، فضلا عن سهولة توقع مخرجاتها في زمن قياسي.

د. يعقوب أحمد الشراحكاتب كويتيyaqub@acmls.org