د. معيوف السبيعي

دأبت وزارة التربية على ابتعاث موظفيها للحصول على الشهادات العليا منذ أعوام عدة، وتشترط عليهم تخصصات تربوية معينة مثل المناهج وعلم النفس والإدارة التربوية والتفوق العقلي وتخصصات التربية الخاصة الأخرى، وذلك لحاجتها لمثل هذه التخصصات ولا تسمح للمبتعثين بتغيير أو تبديل التخصص. والآن بدأت أفواج هذه البعثات بالوصول ومعها أعلى الشهادات بالتخصصات نفسها التي اشترطتها وزارة التربية والسؤال هنا: ما الخطوة اللاحقة التي تنتظر هؤلاء من حملة الشهادات العليا؟ وما الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة لاستيعاب هذه الكفاءات التربوية؟ وما الجدوى من سياسة الابتعاث المستمرة؟

ولكن المفاجأة انه لا توجد أي سياسة أو تصور أو خطة للابتعاث، ولم تفكر الوزارة بحجم المشكلة التي  وقعت فيها وأوقعت موظفيها معها جراء غياب التنسيق والتخطيط والنظرة المستقبلية، رغم النداءات المتكررة التي أطلقها هؤلاء العائدون للنظر في أوضاعهم الوظيفية والاستفادة من خبراتهم التربوية والعلمية خصوصاً إذا ما عرفنا ان غالبهم من الذين عملوا في الميدان التربوي قبل الابتعاث، ومن المفترض قبل البدء بعملية الابتعاث ان يوضع تصور واضح لاستيعاب المبتعثين في إدارة خاصة لهم لتقديم الاستشارات التربوية المبنية على أسس علمية عملية والاستفادة من رسائلهم العلمية خصوصا ان غالبية رسائلهم العلمية عبارة عن برامج جاهزة للتطبيق وسبق ان طبقت على عينة من طلبة المدارس في الكويت وأثبتت فعاليتها في تنمية قدرات الطلبة العلمية والفكرية، أو كمستشارين في مكاتب الوكلاء ومدراء المناطق، لأن صناعة القرار تحتاج إلى رؤية علمية، ولن تجد الوزارة من يجمع بين الخبرة في التدريس في المدارس والشهادات العلمية المتخصصة إلا هؤلاء القادرين على تغيير الواقع التربوي وتطوير التعليم في حالة الزام الوكلاء ومدراء المناطق بأن تكون مجموعة منهم كمستشارين في المكاتب الفنية.

إن هؤلاء النخبة من الكفاءات يجب ان يكون لهم دور كبير في اختيار المعلمين وتدريبهم وتعديل المناهج المدرسية، وأن يتم تكليفهم والاستعانة بهم لقراءة الواقع التعليمي والأسباب الحقيقة لإخفاق التعليم في الكويت، والذي يتحمل وزر هذا الاخفاق الذين مكثوا 30 عاما في الوزارة وتسببوا في تدهور العملية التعليمية لعجزهم عن إيجاد الحلول الناجعة وقدرتهم الفائقة بتشكيل اللجان تلو اللجان التي أنهكت ميزانية الوزارة من دون ان تغير من واقع التعليم شيئاً.

ويتحتم على القيادة التربوية الحالية ان تعرف جيداً انه من الصعب إخفاء هذه الشريحة المهمة والكبيرة في وزارة التربية ومن الصعب كذلك ان يستمر وضعهم الوظيفي بهذه الصورة غير اللائقة خصوصا اذا ما عرفنا انهم كانوا المحور الثاني للاستجواب المزمع تقديمه للوزير السابق قبل التشكيل الوزاري الحالي، فإلى الآن والوضع يزداد صعوبة ولم يتغير شيء يذكر عدا تشكيل اللجنة واطلاق الوعود التي لم تنفذ وكأنها أبر تخدير، مع ان الجميع ينتظر بفارغ الصبر نتائج الفريق المشكل لتدارس أوضاع حملة الشهادات العليا مع الملاحظات وعلامات الاستفهام التي تحوم حول الطريقة الانتقائية في الاختيار، والصلاحيات المحدودة والموكلة لهذا الفريق، ومن هنا نوجه رسالة للقيادة التربوية الحالية هي ان وضع هذه الشريحة هو التهميش والتجميد والمحاربة من المستنفذين داخل الوزارة والتي حاولت القيادة التربوية السابقة القضاء عليهم ولكن لم يسعفها الوقت. فكم لجنة شكلت داخل الوزارة لا يوجد بها متخصص علمي ولو تفاجئ الوزيرة الوكلاء ومديري المناطق بتعميم أو تطلب منهم احصائية بأسماء حملة الدكتوراه واللجان التي اشتركوا فيها أو أوكلت لهم لسوف تصطدم بالواقع المرير، وتجد أن هناك أسماء لم تشترك في أي لجنة منذ أعوام، والسبب عدم رغبة القياديين في دخول هذه الكفاءات مثل هذه اللجان ولمعرفتهم التامة أن هؤلاء سيعملون على تعرية القيادي المستنفذ طوال العقود السابقة، لأنهم يعلمون ان دخول هذه الكفاءات اللجان ووصولهم لصناعة القرار معناه خروجهم من الوزارة! ونتمنى على الوزيرة ان تسبق الاعضاء وتطلب من أركان وزارتها تقريرا مفصلا عن هذا الموضوع.

إن الحقيقة الغائبة للأسف عن أعين الكثير بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة أو من يتولى زمام التربية ان اصلاح التعليم بعيد المنال قبل ان نشرع في اصلاح التربية فما دام الجسد التربوي بهذه الصورة المتردية والمأسوية، فلن نخطو خطوة واحدة للأمام، وسنشاهد صوراً مأسوية كالتي عرضتها صحيفة «الراي» قبل فترة، ولقد كان للوزير السابق الدكتور عادل الطبطبائي السبق في إقدامه على اصلاح التربية عبر قراراته الجريئة ومنها الهيكلة واحالة من مضى عليهم 30 عاما إلى التقاعد، وتجديد الدماء الشابة. ولا ننسى إلغاءه ما يقارب 80 لجنة بسبب عدم فاعليتها ولمعرفته بأهدافها المادية فقط، وغيرها من القرارات التي لو نفذت لوجدنا أثرها البالغ والايجابي على التعليم وبخروجه رجعت التربية عن هذه الخطوات الأمامية.

ولهذا يجب ان يكون هناك تدخل من اللجنة التعليمية في وضع سياسات ثابتة للتربية في ظل الانتكاسة للتربية قبل التعليم، ذلك ان اصلاح التعليم ليس بتغيير اللباس المدرسي، فها هي دول الخليج العربي إذ يذهب ابناؤها إلى المدارس بالزي الشعبي وتفوقوا علينا تعليمياً، إن اصلاح التعليم يكون بتغيير القياديين الحاليين وتجديد الدماء والعودة للخطوات السابقة.

اكاديمي كويتي