حميد المالكي

الدورة 62 للأمم المتحدة هذه السنة كانت حافلة بالكلمات وهو تعبير غير دقيق. صحيح أن الكلمات هي أداة التعبير لكن المضامين التي تعبر عنها الكلمات تختلف باختلاف الموضوع فهذه كلمات كتبت في صياغة قصيدة شعرية أو كتبت لقصة أو مسرحية، وما قيل في الأمم المتحدة من «كلمات» هو صياغات بمثابة مرافعات أو كشوفات حساب وتوثيق مواقف ازاء أكثر القضايا الكبرى التي تواجهها البشرية أمام محفل أممي يمثل الدول كافة، وبعبارة أخرى إن كل دولة تعترف بما انجزته وما الذي لم تنجزه ورؤيتها الرسمية لقضايا عالمية هي الشغل الشاغل للأمم المتحدة.

ولذلك فلو جمعنا كل ما قيل في الدورة 62 وطبعناه في كتاب مستقل لكان هذا الكتاب من أهم الكتب على صعيد الديبلوماسية والسياسة والاقتصاد والفكر والاجتماع وقضايا السلام والحرب وغيرها، لأنه يمثل خلاصات واستنتاجات ومعالجات صيغت بعناية فائقة واستغرقت وقتاً طويلاً اشتركت فيها الوزارات والدوائر كافة في جميع الدول، ومن هنا تنبع أهميتها التاريخية والوثائقية الكبرى، وهذه المسألة ربما لا يدركها الكثيرون، ولذلك فهي ليست كلمات إنما هي تقارير رسمية علنية تتكثف فيها سياسات الدول في الميادين كافة الداخلية والخارجية.

ولنأخذ كنموذج كلمة دولة الكويت التي القاها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد الصباح التي بدأها بالتحذير من تحديات تواجه السلم والأمن الدوليين، مثل الإرهاب والفقر والجوع وتفشي الأمراض الخطيرة والمعدية كالإيدز والملاريا وتدهور البيئة وانتهاكات حقوق الإنسان، وإعادة إحياء النعرات العنصرية، والفتن الدينية، والحض على الكراهية والزنوفوبيا، فقال: «قطعت الكويت شوطا طويلاً في ترجمة التعهدات وقرارات القمة العالمية لعام 2005 على أرض الواقع، وساهمت في الجهود الرامية إلى تعزيز قيم التسامح والوسطية ونبذ التعصب». وقال: «من المؤلم ان نرى أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الأمر الذي يتطلب نظرة جادة ومراجعة حقيقية لمعوقات التنمية في العالم النامي»، ثم تطرق إلى قضايا التسلح النووي وفلسطين ولبنان وعن العراق قال: «فالمصالحة الوطنية هي الطريق الوحيد لبناء عراق ديموقراطي وحر وآمن ومستقل يعيش في سلام مع نفسه ومع جيرانه ويحترم تعهداته والتزاماته الدولية ونرحب بقرار مجلس الأمن 1770 الذي عزز من مهام وولاية بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق ونتطلع إلى دور حيوي ومهم للمجتمع الدولي في مساعدة العراق على تنفيذ التزاماته في اطار العقد الدولي في المجالين السياسي والاقتصادي».

وللكلمة تلك دلالات عميقة أبرزها ان المعالجات كافة التي تضمنتها لأكثر مشاكل العالم حراجة وحساسية كانت نابعة من روح واقعية موضوعية رصينة، وعلى أسس الحوار السلمي البناء، وفقاً للقوانين والاعراف والاتفاقيات الدولية والوفاء بالالتزامات والاتفاقيات التي وقعت عليها الدول وضرورة إحقاق الحقوق المشروعة، لأن المعالجة السلمية الديبلوماسية ستجنب العالم الحروب وعدم الاستقرار وتوقف التنمية المستدامة، فالجلوس إلى طاولة المفاوضات كفيل بحل الكثير من المشكلات، وإن تكريس قيم التسامح والوسطية ونبذ التعصب ومعالجة الفقر والمرض والتخلف سيجعل العالم أكثر أمنا وازدهاراً.

كاتب عراقي