تضاربت الأخبار والتقارير عن الغارة الصهيونية الأخيرة على سورية التي وقعت يوم السادس من سبتمبر الماضي، ففي الوقت الذي صرح فيه الصهيوني بنيامين نتنياهو، رئيس كتلة الليكود، بأن المقاتلات الإسرائيلية شنت غارة على سورية، استنكر مكتب أولمرت، رئيس وزراء العدو الصهيوني، تصريحات نتنياهو وقال «إنها تتسم بعدم المسؤولية» في ما يتعلق بالقضايا الوطنية.
أما إيهود باراك وزير حرب العدو الصهيوني، فلم يعلق صراحة على الغارة، إلا أنه قال إن إسرائيل قادرة على إلحاق الضرر بأعدائها أينما كانوا.
أما البيان الرسمي السوري، فقد تحدث عن اختراق جوي صهيوني للمجال السوري، وأن المضادات السورية أجبرتها على الهرب والفرار، هكذا بكل بساطة كان البيان الرسمي. ثم ورد خبر عن تقدم سورية بشكوى إلى مجلس الأمن، وليست هذه الشكوى الأولى في هذا الصدد، ولن تكون الأخيرة. ثم صرح نائب وزير الخارجية السوري تصريحاً غريباً، حين قال: «إن حق سورية في الرد، ولكن سورية هي التي تختار متى وأين الرد»؟
وهذا الكلام دائماً يصدر عقب كل غارة إسرائيلية، وبينما لم تعلق الإدارة الأميركية خرجت الصحف الأميركية، مثل «النيويورك تايمز» بخبر أن سلاح الجو الصهيوني، قام بطلعات استطلاعية لتصوير منشآت نووية سورية محتملة يعتقد أن كوريا الشمالية زودت سورية بها.
أما صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية، فقد ذكرت في 16 سبتمبر الماضي أن طائرات حربية من «طراز إف15» قامت بمعاونة وحدة كوماندوز صهيونية بتدمير مخزن سوري يحتوي مواد نووية. وأكدت الخبر بعد سبعة أيام في 23 سبتمبر وزادت: «إن وحدة الكوماندوز استولت على معدات نووية».
وجاء في خبر «صنداي تايمز» أن إسرائيل حصلت على عينات لمواد نووية، خلال غارة برية على مجمع سري في «منطقة دير الزور» شمال سورية، وذلك قبل شن إسرائيل غارة جوية على سورية في السادس من الشهر الماضي. وأوضحت الصحيفة أن عناصر من وحدة الكوماندوز «سايريت ماتكال» الخاصة بالجيش الإسرائيلي، نفذوا العملية البرية وهم يرتدون زي الجيش السوري.
وأشارت إلى أن إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، تولى قيادة غارة الكوماندوز الإسرائيلي مباشرة، وأنه كان وضع الموقع السوري نصب عينيه منذ تسلمه مهامه كوزير للدفاع في 18 يونيو الماضي.
ومع تلك الغارة والموقف السوري لنا وقفات، الوقفة الأولى عن سورية الدولة، إذ إنه من اللافت أن سورية تتعرض إلى اعتداءت إسرائيلية متكررة، ولم يسمع العالم برد سوري، وذلك يبرره عند السوريين حكمة «عدم الاستفزاز»، واختلال موازين القوى والتغيرات الدولية بتحكم الولايات المتحدة في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
وقد سبق أن واصل العدوان الصهيوني عنجهيته بغارة على قصر الرئاسة السوري من قبل، وأخيراً كانت غارة السادس من سبتمبر، تلك الغارة التي شغلت العالم كله واضطربت فيها الأقوال والتحليلات.
الوقفة الثانية عن التناقض الواضح جداً بين البيان السوري عن الاختراق الصهيوني وإجباره على الهروب، والأخبار التي انتشرت بعد تلك الغارة، وتأكيد صحيفة «الصنداي تايمز» في خبرين على أن الغارة الصهيونية قصد بها مواد نووية، ثم الصمت الرسمي للعدو الصهيوني حيال تلك الأخبار وصمت الإدارة الأميركية أيضاً، وهو ما يعطينا دلالات خطيرة في ظل عدم توافر المعلومات الرسمية من مصادرها إلى وجود واقعة مهمة حدثت تم تسريبها بلعبة مخابراتية إعلامية من دون التصريح بها رسمياً ألا وهي بعيداً عن قصة المواد النووية وكوريا.
فهي أظن أنها من لزوم تضخيم الخبر، إذ إن النظام السوري أبعد ما يكون عن المجال النووي من وجوه عدة:
الأول: عدم وجود الفنيين المهرة السوريين في هذا المجال.
الثاني: عدم وجود تقنيات على الأرض السورية تستوعب الدخول في المجال النووي.
الثالث: لا يمكن للنظام السوري أن يتجرأ على ذلك في ظل وجود الأمثلة العربية التي دمرت بسبب وجود النووي كما حدث مع المفاعل النووي العراقي في الثمانينات، أو إشاعة وجوده كما حدث مع النظام العراقي السابق، إذ كان من الأسباب المعلنة للحرب عليه ادعاء امتلاكه للسلاح النووي، ثم المثال المهين للنظام الليبي الذي قدم كل ما يملكه من مجرد بدايات شكلية لمشاريع نووية على طبق من ذهب للأميركيين والبريطانيين من أجل عدم التعرض إليه، وذلك بعد إزالة النظام العراقي.
وأيضاً من اللافت في هذا الصدد، أن كوريا الشمالية في ذلك الوقت تحسنت علاقتها في الملف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية وقبلت بإغلاق مفاعلها مقابل امتيازات أميركية، أما سورية فقد تسربت وأعلنت في أخبار كثيرة عن استعدادها لمفاوضات مع إسرائيل من دون شروط. إلا أن ما بين السطور في تلك الغارة يدل على اختراق وهيمنة للعدو الصهيوني للأراضي السورية وتحركه بحرية وتنفيذه عملية، ما يعد اختراقاً للسيادة القانونية لسورية.
والسؤال الواقعي: هل العملية قصدت شحنة أسلحة لـ»حزب الله»؟ أم كانت رسالة لإيران على القدرة الصهيونية على ضرب حلفاء إيران؟ الأدلة كثيرة لكن الحقيقة أن الغموض هو سيد الموقف.
الوقفة الثالثة وهي تتعلق بسؤال مهم: لماذا سورية، ولماذا الحديث عن المواد النووية؟ الإجابة واضحة عند المراقبين أن الغارة رسالة واضحة للنظام الإيراني حليف سورية والحاضن لـ»حزب الله»، لأن إيران هي اللاعب المغامر علانية على السطح، والذي يملك المواد النووية ولا يريد التنازل عنها بسهولة، وسورية حليف استراتيجي لإيران.
ثم إن ضرب إيران واختراق مجالها مغامرة مجنونة لا يمكن لإسرائيل أو الأميركيين الإقدام عليها بسهولة بخلاف أن إيران قدرتها العسكرية متفوقة تماماً عن سورية، والمغامرة سوف تكبد المغامر خسائر مهما كان نجاحه.
ولذلك كان اختيار سورية التي لن ترد.
وأخيراً إن الإعلام السوري بعد أربعين عاماً من هزيمة يونيو العام 1967، يصر على الطريقة نفسها في إخفاء الحقائق، والادعاء بالتصدي للعدوان و»أمجاد يا عرب أمجاد».
محام وكاتب مصري
elsharia5@hotmail.com