تركي العازمي

جرت العادة أن نتبادل الزيارات في شهر رمضان المبارك، وهي عادة حميدة جبل عليها المجتمع الكويتي، ندعو الله أن يديمها.

إن النسيج الاجتماعي في الكويت تميز بوجود سياج من المحبة والآخاء يغطي جميع أفراده وكتله ويحميهم في أحلك الظروف، وإن بلغ الأمر حدته أثناء الانتخابات، فسرعان ما يظهر تأثير هذا السياج عليهم ويعودون متقاربين متحابين، وكأن شيئاً لم يكن.

الحاصل انه في إحدى الزيارات وكانت لديوانية النائب الفاضل حسين الحريتي التقينا بأخ عزيز لم نتبادل معه الحديث منذ فترة الغزو الغاشم...إنه الدكتور علي الطراح الذي أحترمه جل الاحترام، فبدأت الذاكرة تعيد شريط أحداثها لتنفض الغبارين السياسي والزمني عنها منذ تحرير الكويت.

في الولايات المتحدة الأميركية كان هناك مع أركان السفارة وعلى رأسهم السفير الشيخ سعود الناصر، وكنت آنذاك من ضمن الطلبة المتطوعين مع الجيش الأميركي ـ الدفعة الأولى. وكانت المواقف متميزة وفيها من الغرائب والطرائف ما ميزها عن سواها، فلا خبر عن أي شيء كان يسترعي اهتمامنا آنذاك، إذ كان التركيز على العودة إلى المملكة العربية السعودية، ومن ثم الكويت!

سألته عن السبب في عدم تدوين تلك الفترة الحرجة التي تعد جزءا من تاريخ الكويت صنعه رجال هم الآن من حولنا، ولكن الذاكرة ونعمة النسيان التي وهبها الله البشر طوت تلك الصفحات المضيئة التي مازلت أحتفظ بألبومات خاصة بها. كنا كالنسيج الاجتماعي الحالي رغم اختلاف أيديولوجيات أفراده الا انهم وقت المحن نجدهم متلاحمين.

القصد من هذا المقال ليس لإبراز الدور الذي قام به الزملاء الطلبة وأركان السفارة التي يتقدمها الشيخ سعود الناصر، أبو فواز، الذي مازلت أذكر الطريقة التي تحدث معنا بها في فندق وسط مدينة بوسطن. لقد كان بمثابة حديث الأخ لإخوانه، وهذا ما ميز العلاقة بين أسرة الصباح الحاكمة وشعبها المعطاء السمح. القصد يكمن في سر ما حدث فأين نحن من أحداث أثرها باق في النفوس السليمة... أين نحن مما عرض وما دار مع الدكتور علي الطراح عن تلك الذكريات المنسية؟

إن القصد أسمى بكثير...إن تلك المشاهد في غاية الروعة، ولا شك أن التاريخ الكويتي يعج بأحداث مشابهة حين يحط الاختلاف ركابه حيث برهنت الصلة الوثقى بين أطياف المجتمع الكويتي على مختلف مشاربها. انها على قدر من المسؤولية وان القضايا حتى وإن بلغت ذروتها في الشدائد تجد العقلاء بمثابة صمام الأمان وتعود الأطراف إلى ما كانت عليه وأحسن. إننا نريد توثيق المواقف والأحداث بغية الاستشهاد بها حينما ينحرف البعض في سلوكه بالسير وراء شوائب النفوس التي من شأنها رفع حالة التأزيم و...هلم جرا! إننا في بلد صغير بمساحته الجغرافية وتعداد سكانه بات أقلية مقارنة بالوافدين، ومازلنا نشتكي والشكوى لغير الله مذلة، كما يقولون!

لم يعد يعجبنا الوضع الحالي فلا خدمات تسر الأنفس، ولا اقتصاد يسير نحو الازدهار، ولا رخاء معيشي، ولا مساواة، ولا عدالة وتكافؤ في الفرص وغيرها من القضايا التي أوصى بوجوبها المشرع في الدستور الكويتي.

ولأننا تناسينا الذكريات من التاريخ وأحداثه ولم نتعظ من معطياته، ولأن البعض اتبع السلوك الخاطئ ولم يجد من يردعه وصار البعض يتبع تلك السلوكيات الخاطئة بحكم أنها باتت عرفاً لدى الكثيرين من أبناء جلدتنا، ولأننا لم نجد خطة عمل يتفق عليها الجمعان أصبحنا ندور حول دائرة مفرغة، وإن تحدث المحق والحكيم أغلق الطرف الآخر إذنيه!

ما يحدث يشكل جهلاً بالمعطيات والتداعيات في شأن القضايا المطروحة... فمتى نقف لبرهة ونستمع لبعضنا البعض ونتحاور بشكل إيجابي ونقضي على شوائب النفوس...متى أيها السيدات والسادة؟ الله المستعان.  

كاتب ومهندس كويتي