مع اقتراب ساعة انتخابات مجلس الأمة، وفي ظل نظام اعتبر أن الحياة الديموقراطية، وكما جاء على لسان قائده أكثر من مرة، خيار لا رجعة عنه، نشطت القوى والقبائل وجميع شرائح المجتمع الطيب لإفراز مرشحيها لانتخابات مجلس الأمة المقبل، وتزامن ذلك مع العديد من المقالات والآراء عن النائب الذي نريد. ومع أن هذا الجانب مهم وأساسي في العملية الانتخابية إلا أن ما هو موازٍ له في الأهمية هو الناخب الذي نريد، خصوصاً وأنه محور العملية الانتخابية، وهو الذي سيفرز مجلس الأمة المقبل.لقد مارس الكويتيون دورهم الانتخابي في أكثر من مناسبة، سواء كانت نيابية أو بلدية، في وطن درج على هذا الطريق منذ نشأته، وكانت الحياة الديموقراطية فيه هي الأساس وعكسها الاستثناء، والذي قد يحدث أحياناً نتيجة لظروف قاهرة. وما أن تنتهي العملية الانتخابية ويبدأ المجلس في ممارسة عمله حتى نسمع من هنا أو هناك، على لسان بعض الناخبين، آراء كلها نقد وسخط وندم، وأحياناً ما يكون مصدرها أشخاص لم يكلفوا أنفسهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، أو آخرين أساؤوا الاختيار، وأن النائب لم يحقق لهم مطالبهم الخاصة في اليوم الأول لممارسة عمله تحت قبة البرلمان!وحتى لا يكون الحال نفسه حيال مجلس الأمة المقبل، خصوصاً أن هذا المجلس سيتحمل عبئاً كبيراً وثقيلاً في ظل أوضاع صعبة تمر بها المنطقة ونحن جزء منها، لذلك فإن هناك بعض الشروط لا بد أن تتوافر في الناخب الذي نريد:* ممارسة حقه كاملاً، والذي كفله له الدستور، والإدلاء بصوته لمن يرى أنه المؤهل ليكون صوت الوطن من دون تردد، وإن أي تهرب، أو دعوة إليها، سيتسبب بضرر للعملية الانتخابية ويؤدي إلى إضعاف بنية المجلس المقبل، والذي نتطلع لأن يكون مجلساً قوياً يشارك في بنائه جميع المواطنين. ومن هنا، فإنني أدعو إلى مشاركة كل فرد لممارسة هذا الحق والذي يعتبر واجباً وطنياً، وما ينطبق على الانتخابات النيابية ينطبق على الانتخابات البلدية، فالخدمة ليست حكراً على عضو أو رئيس.* إن أمانة المسؤولية تقتضي من كل ناخب أن يختار من هو القادر فعلاً على تحمل المسؤولية من دون محاباة، خصوصاً أن لدينا، والحمد لله، مخزوناً كبيراً من أبنائنا وبناتنا القادرين على خدمة بلدهم والمؤهلين لذلك، لأن للنائب دوراً مهماً وأساسياً في سن القوانين، والرقابة على عمل الحكومة، وتلمس حاجات منطقته وعرضها على الحكومة، وهو المكلف بمناقشة السياسات الحكومية وبرامجها، من خلال بياناتها وموازنات الدولة التي تمثل أيضاً بتوجهات الحكومة وبرامجها.* على الناخب وحتى يكون ممثله تحت قبه البرلمان قوياً، ألا يتحدث إلا بصوت الوطن ومصالحه، وألا يشغله بأمور تبعده عن الواجبات الرئيسية، والتي حددها له الدستور، لمتابعة قضايا غالباً ما تكون مهينة لكل من يتحدث عنها أو يتوسط فيها، كالطلب المستمر للأمور الشخصية، كالوظيفة والنقل والترفيع والدوام في الوزارات.* على الناخب أن يتجنب الوقوف مع أي مرشح يسوّق نفسه بأجندة غير شريفة، لأن من يمارس هذا السلوك سيلجأ إليه أثناء وجوده تحت رقابه البرلمان، بل سيسعى إلى تعويض ما خسره أضعافاً مضاعفة على حساب الوطن والمواطنين، وعلى حساب ناخبيه.* على الناخبين أن يكون حوارهم مع بعضهم البعض حضارياً، وألا يكون التعصب إلى مرشح مدعاة إلى الاتهام والشجار بحيث يتحول إلى تهم وفوضى تقود إلى الفرقة وتخريب النسيج الوطني الذي يجب أن نحرص جميعاً على بقائه متيناً قوياً، وألا ينظر الناخب إلى خدمات المرشح ولا يتأثر بها، لأن هذا من صميم عمله ومن البيروقراطية التقليدية في إدارات الدولة... ولا أغالي إذا قلت إنه من أولى واجبات النائب المستقبلية هو الواجب الوطني وتشريع قوانين تهم البلاد والعباد.* على الناخب ألا يتأثر بالصوت العالي للمرشح والذي يمارس الاتهامات يميناً وشمالاً، لأن هذه النبرة تستخدم لتوجيه رسائل مؤثرة إقناعية غير حقيقية موجهة إلى الناخب غير الواعي أو العاطفي أو المتعصب، وأن يعطي صوته إلى الشخص المتزن العقلاني والواضح والقوي الأمين، ويقرأ جيداً وبإمعان الشعارات التي يطرحها المرشحون وبياناتهم الانتخابية ومدى واقعية كل شعار وإمكانية تحقيقه على أرض الواقع في زمن سقطت فيه الكثير من الشعارات والأقنعة المزيفة، والتي لم تجلب إلا المصائب والنكبات، وأصبحت النظرة إلى الواقع بحكمة وعقلانية هي الأصل في بناء الأوطان وعكسها هو الخراب والدمار.* على الناخب أن يتخذ قراره الصائب في بعض التيارات السياسية التي تنادي إلى ظواهر مستهجنة من شرائح كبيرة من المجتمع، لأطروحاتهم البعيدة عن موروثاتنا وعن أخلاقياتنا الإسلامية، ولا يتوقف عند مظهر المرشح الخارجي من الذين يدعون التقوى والتدين، وهم بعيدون كل البعد عن الدين الإسلامي الصحيح، وأن هدفهم مصلحي بحت للوصول إلى مبتغاهم، فقد انكشف بعضهم وتعرى فوضحت الصورة الغائبة عن الكثيرين، لأن هؤلاء بعيدون كل البعد عن هموم الناس ومشاكلهم، ولأن القرار ليس بأيديهم، وهم أداة عند قادتهم، ولم يتخذوا قرارات مصيرية سواء إسلامية أو اجتماعية، إلا ما ندر من قرارات وباستحياء شديد، وليس لها الوقع الكبير.
فيصل فالح السبيعيمحامٍ ومستشار قانوني في جمعية الصحافيين الكويتية