| جاد الله فرحات |

التقوى في القرآن تطلق على ثلاثة أشياء: احدهما بمعنى الخشية والهيبة قال الله تعالى «واياي فاتقون» وقال الله تعالى «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله» والثاني بمعنى الطاعة والعبادة قال الله تعالى «يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته» قال ابن عباس رضي الله عنهما اطيعوا الله حق طاعته وقال مجاهد هو ان يطاع فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر، والثالث بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب فهذه هي الحقيقة في التقوى دون الاولين الا ترى ان الله تعالى يقول «ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون» ذكر الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى فعلمت ان حقيقة التقوى معنى سوى الطاعة والخشية وهي تنزيه القلب عما ذكرناه ثم قالوا رحمهم الله منازل التقوى ثلاثة: تقوى عن الشرك وتقوى عن البدعة وتقوى عن المعاصي الفرعية ولقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في آية واحدة وهي قوله جل من قائل «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناحٌ فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا» فالتقوى الاولى تقوى عن الشرك والايمان الذي في مقابلتها التوحيد والتقوى الثانية عن البدعة والايمان معها اقرار عقود السنة والجماعة، والتقوى الثالثة عن المعاصي الفرعية ولا اقرار في هذه المنزلة فقابلها بالاحسان وهو الطاعة والاستقامة عليها فتكون منزلة مستقيمي الطاعة فالآية جمعت ذكر المنازل الثلاث منزلة الايمان ومنزلة السنة ومنزلة استقامة الطاعة فهذا ما قاله العلماء رحمهم الله في بيان معنى التقوى.ومن التقوى اجتناب فضول الحلال وهو ما روى في الخبر المنشور عن النبي صلى الله عليه وسلم - روى الترمذي وابن ماجة والحاكم عن عطية السعدي رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم (لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس).فالتقوى هي اجتناب كل ما تخاف ضررا في دينك الا ترى انه يقال للمريض المحتمى انه يتقي اذا اجتنب كل شيء يضره في بدنه من طعام او شراب او فاكهة او غيرها ثم الذي منه الضر في امر الدين قسمان: محض الحرام والمعصية وفضولك الحلال لأن الاشغال بفضول الحلال والانهماك فيه يستجر صاحبه الحرام ومحض العصيان وذلك لشره النفس وطغيانها وتمرد الهوى وعصيانه فمن اراد ان يأمن الضر في امر دينه اجتنب الخطر وامتنع عن فضول الحلال حذرا ان يجره إلى محض الحرام على ما قاله صلى الله عليه وسلم لتركهم ما لا بأس به حذرا عما به بأس يعني لتركهم فضول الحلال حذرا عن الوقوع في الحرام فالتقوى البالغة الجامعة اجتناب كل ما فيه ضرر لأمر الدين وهو المعصية والفضول هذا تفصيلها.واعلم ان التقوى كنز عزيز فلئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وعلق نفيس وخير كثير ورزق كريم وفوز كبير وغنم جسيم وملك عظيم فكأن خيرات الدنيا والآخرة جمعت فجعلت تحت هذه الخصلة الواحدة التي هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها فكم علق بها من خير وكم وعد عليها من اجر وثواب وكم اضاف اليها من سعادة وانا اعد لك من جملتها اثنتي عشرة خصلة اولها المدحة والثناء قال الله تعالى (وان تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور) والثاني الحفظ والحراسة من الاعداء قال الله تعالى (وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا...) والثالث التأييد والنصرة قال الله تعالى (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وقال تعالى (والله ولي المتقين) والرابع النجاة من الشدائد والرزق من الحلال قال الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) والخامس اصلاح العمل قال الله تعالى (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم...) والسادس غفران الذنوب قال الله تعالى (ويغفر لكم ذنوبكم) والسابع محبة الله قال الله تعالى (ان الله يحب المتقين) والثامن القبول قال الله (انما يتقبل الله من المتقين) والتاسع الاعزاز والاكرام قال الله تعالى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) والعاشر البشارة عند الموت قال الله تعالى (الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)  والحادي عشر النجاة من النار قال الله تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا) وقال تعالى (وسيجنبها الاتقى) والثاني عشر الخلود في الجنة قال الله تعالى (اعدت للمتقين) فهذا بيان كل خير وسعادة في الدارين تحت هذه التقوى فلا تنس نصيبك ايها الرجل منها - ثم الذي يختص به هذا الشأن من امر العبادة ثلاثة اصول: احدهما التوفيق والتأييد اولا وهو للمتقين كما قال الله تعالى: ان الله مع المتقين، والثاني: اصلاح العمل، واتمام التقصير، وهو كما قال الله تعالى «انما يتقبل الله من المتقين» ومدار العبادة على هذه الامور الثلاثة التوفيق اولا حتى تعمل ثم الاصلاح للتقصير حتى يتم ثم القبول اذا تم وهذه الامور الثلاثة التي يتضرع فيها العابدون إلى الله تعالى ويسألون فيقولون: ربنا وفقنا لطاعتك واتمم تقصيرنا وتقبل منا وقد وعد الله تعالى ذلك كله على التقوى واكرم بها المتقي سأل او لم يسأل فعليك بهذه التقوى ان اردت عبادة الله سبحانه بل ان اردت سعادة الدنيا والعقبى ولقد صدق القائل:من اتقى الله فذاك الذيسيق اليه المتجر الرابحلا يتبع المرء إلى قبرهغير التقى والعمل الصالحوقال غيره:من عرف الله فلم تغنهمعرفة الله فذاك الشقيما يصنع العبد بعز الغنيوالعز كل العز للمتقيثم تأمل اصلا واحدا وهو ان هب انك قد تعبت جميع عمرك في العبادة وجاهدت وكابدت حتى حصل لك ما تمنيت أليس الشأن كله في القبول ولقد علمت ان الله تعالى يقول «انما يتقبل الله من المتقين» فرجع الامر كله إلى التقوى.

 إمام وخطيب