| كتبه: الدكتور وليد عبدالله المنيس |

الحمد لله الذي امات واحيا، وان عليه النشأة الاخرى والصلاة والسلام على عبده ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فقد تلقى العالم الاسلامي خبر وفاة شيخ المحدثين والمفسرين شيخنا الشيخ عبدالقيوم بن زين الله الرحماني (1338 - 1429 هـ/ 1918 - 2008م) قبيل ظهر الاربعاء 23 جمادى الاولى 1429 رحمه تعالى، وحري بنا ان نعرف جمهور المسلمين بهذا الامام العالم العامل.ترجمته:ولد الشيخ رحمه الله في 20/1/1918 في قرية دودوليا، التابعة لمديرية سدهارت نغر بستي سابقا في الولاية الشمالية يوبي بالهند، في اسرة ذات وجاهة دينية ودنيوية.تلقى تعليمه الابتدائي في قريته الواقعة على حدود النيبال والمتوسط في الجامعة الإسلامية (فيض عام) في ماو، والعالي في دهلي في دار الحديث الرحمانية الشهيرة.تتلمذ على كبار علماء الهند منهم شيخ الحديث احمد الله القرشي، والشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري شارح المشكاة والشيخ نذير احمد الاملوي والشيخ عبدالغفور البسكوهري والشيخ سكندر الهزاري وغيرهم وتخرج العام 1940 وقد اخذ البخاري ومسلم قراءة تحقيق بالتمام والكمال على شيخه محدث الهند احمد الله القرشي.وكان له إسهامات سياسية في تحرير الهند من الاستعمار الانكليزي، واودع السجن اكثر من مرة.ولما تحررت بلاده شرع في التوجيه العام والخطب العامة وساهم في تأسيس مشاريع اسلامية واجتماعية كما انه مبجل في الهند، ويعامل رسميا كمجاهد في تحرير بلاده ويحمل بطاقة خاصة تبين مكانته في الهند.

 زيارته للكويتتشرف بالشيخ طلبة العلم في الكويت بمساع خاصة من الأخ الشيخ فيصل بن يوسف العلي، حيث دعا شيخنا إلى زيارة الكويت بعد ادائه الحج، كل ذلك على ضيافته الشخصية جزاه الله خيرا، وعقد له مجالس قرئ عليه خلالها صحيح البخاري ومسلم وبلوغ المرام والشمائل وغيرها، كأول مجالس حديثية سماعية عالية في البلاد - وكانت نواة للتوسع (جماعية ايضا) عبر المجالس الحديثية العامة فيما بعد التي ازدانت بها الكويت وسبقت بها غيرها - وكنت بحمد الله احد من لازم شيخنا فيها، فوقفت على صفات شيخنا عن قرب وسجلت عددا من الانطباعات والمرئيات منها:اولا- تواضعه وحليته وعدم تكلفه:اول ما لفت نظري في الشيخ تواضعه الجم وبساطته مع هيبة وسمت غير متكلف وذلك عندما تلقيناه في مطار الكويت فقد رأيته يلبس جبة من الصوف عادية جدا ويضع طربوشا من الصوف على رأسه مع لفافة من الصوف ليتقي البرد فلا يكاد يلتفت اليه لتواضع ملبسه وكان نحيف البدن عليه سيما الزهد ولحيته بيضاء طويلة اسمر اللون قليل التبسم في نظراته ملامح الجد والحزم.ثانيا- اختياره لبعض الاحكام والاقوال وطرحها امام الطلبة:اثناء القراءة عليه ونحن نسمع لاحظت ان الشيخ يختار بعض الاقوال المهمة التي تبسط المقصود ويلقي كثيرا من الفوائد على السامعين وقد دونا كثيرا منها وستنشر لاحقا ان شاء الله.ثالثا - تجديد الوضوء بعد كل فترة في مجلس السماع:كان يدعو الحضور في مجلس السماع إلى تجديد الوضوء ويقول لنا: اذا اردتم النشاط فجددوا الوضوء فكنا نفعل ذلك كل فترة فيدب النشاط في المجلس ولعل ذلك - بعد توفيق الله تعالى - من اسباب الختم في مدة وجيزة.رابعا - لا يستعمل النظارات للقراءة:رغم انه في التسعين إلا انه لا يستعين بنظارات للقراءة فقد متعه الله تعالى ببصره، فكان يتأمل الصحيح ويسمع.خامسا - تعتريه حدة وانتصار للاحكام الشرعية:مما لاحظته على الشيخ انه ربما تعتريه حدة انتصارا للاحكام الشرعية ومقارنة ذلك بالاوضاع التي يمر بها المسلمون بطريقة تجذب السامع وتشعره بصدق الشيخ ودقة ملاحظاته.سادسا - وفاؤه لمشايخه وحسن ذكره لهم:ففي 9 محرم 1427 واثناء القراءة عليه تحدث باسهاب عن شيوخه احمد الله القرشي وعبيد الله الرحماني وابي الكلام ازاد وغيرهم بالتفصيل وترحم عليهم واثنى عليهم بخير مما عرف السامعين بحسن وفائه لمشايخه.سابعا - في الختم شرح حديث سبحان الله وبحمده:في الختم شرح حديث: كلمتان خفيفتان وقال خيرا ومما قاله سبحان الله وبحمده كلمة عظيمة لرد الشرك بكل انواعه الخ وفي ختم حديث كرر ذلك بقوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.ثامنا - حبه لسماع القرآن ممن يحسنه:فقد كان يحبذ سماع شيء من القرآن قبل البدء بسماع الحديث ممن يحسن القراءة خصوصا من الاخ الشيخ عبدالله بن حسين الصومالي الذي وهبه الله تعالى حسن صوت واداء وفقه الله تعالى.تاسعا - انتصاره لأهل الحديث ونقده لأهل الكلام:كان الشيخ ينتصر لأهل الحديث من السلف الصالح، ويتحسر عليهم، ومما قاله: لماذا صاروا الآن بعيدين عن مكة والمدينة وحواضر الاسلام وذهبوا إلى ما وراء النهر هذا بسبب المعتزلة وأهل الكلام الذين فتنوهم وامتحنوهم فخرجوا إلى الاطراف.عاشرا - انتباهه للقراءة ومتابعته وجده:كان الشيخ رحمه الله ينتبه ويتابع بدقة لما يقرأ بين يديه ولا يسهو ويعلق ويلقي الاسئلة في مجلس السماع بما يحفز السامعين على الاستزادة.واخيرا - ورع الشيخ في الرواية وضبطه لها:تلقى شيخنا رحـــمه الله في المدرسة الرحمانية الكتب الستة كاملة قراءة تحقيق ومع ذلـــك لم يحدث إلا بالصحيحين والترمذي لأنه يضبط قراءته لهـــما، فقال لنا انه قرأ الصحيحين على احمد الله، وقرأ الترمذي على عبيد الله الرحماني - وهو تلميذ احمد الله - وقد حاول الزملاء معرفة شـــيوخه في البقـــية لقراءتها فكان يثبت على ما يضبطه ولا يزيد ويروي عن الشيخ وتلميذه، ما يدل على ضبطه وثقته زيادة على كونه عالما معروفا بالصدق ولو اراد التزيد او المشي على الظن والتوهم لصدق وقبل لكنه كان يتوخى ويحتاط، فبارك الله له في هذا القدر المضبوط حتى قرأه عليه عدد كبير من المشايخ في الحرمين مرارا، واخيرا في البحرين، فهذا درس عملي في التوخي والاحتياط، وما يثمر من بركة ونفع ولا سيما عندما يمتزج بالاخلاص فما كان شيخنا يطلب اجرة على التحديث مطلقا لا تصريحا ولا تلميحا.وهذا آخر ما تيسر تقييده.رحم الله شيخنا، واكرم نزله، وجزاه خيرا.