يعقوب العوضي

امرأة العزيز تلك الحسناء الجميلة المرفهة المدللة ذات الجمال الصارخ الذي تفوقت به على جميلات مصر التي كانت دائما تسأل نفسها أهناك في مصر كلها من تفوقني جمالا وعذوبة ودلالا؟ تلك كانت «راعيل» والتي يسميها البعض «زليخا» زوجة العزيز رئيس وزراء مصر التي همت بنبي الله يوسف عليه السلام.ويقول الله سبحانه وتعالى فيه «ولما بلغ اشده اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين» وكان قد من الله عليه بجمال باهر رائع منحه المحنة والمنه فالمنه في الجمال والمحنة ما حدث له مع زوجة عزيز مصر. فزوجة العزيز لم تدر ماذا يخبئ لها القدر مع هذا الغلام في مستقبل الايام ولكنها احست بارتياح كبير عند وصوله إلى القصر ومع مرور الايام ازداد جمالا على جمال وامرأة العزيز لا تدري ما سبب السرور الذي يدخل قلبها كلما رأت يوسف وما سبب الهم الذي يرزخ على قلبها كلما غاب عن ناظرها وكانت تمني النفس بلقائه لإطفاء جذوة النار المشتعلة في قلبها والرغبة الجامحة التي تغلي في عروقها لتحتويه بين ذراعيها دون مفارقة ولكنها تجد في يوسف عليه السلام معاملة لا تحمل لها ما تحمله له من مشاعر. وكانت تتساءل مع نفسها، أيحبها يوسف مثلما تحبه؟ أيحمل لها نفس مشاعر الحب والغرام مثلما تحملها له؟ وحيث انها لم تجد جوابا على تساؤلاتها، فإنها ايضا لم تستطع الصمود والمقاومة امام ذلك الحب الجارف الذي ملأ قلبها، وفي ذات ليلة وجدت امرأة العزيز نفسها وقد عجزت في السيطرة على مشاعرها فمضت إلى خزانة ملابسها واختارت منها ثوب ما يكشف عن مفاتن جسدها اكثر مما يسترها وعطّرت جسمها بعطر نفاذ وانتهت من تصفيف شعرها واكمال زينتها والتفتت حولها فلم تجد أحدا من وصيفاتها فالكل في حجرته في هذا الوقت المتأخر من الليل وزوجها مشغول بأمور تهم دولته وقد هاجها الغرام واعتزمت على شفاء ما في نفسها من الصبابة فمضت إلى حجرة يوسف فوجدتها موصدة وقد اطفأ السراج فقام ففتح الباب واشعل السراج فدعته إلى نفسها دعوة لا هوادة معها واحتاطت للأمر واخذت عدتها له، فأغلقت الابواب وقالت ليوسف «هيت لك» فابى وقال «ربي احسن مثواي انه لا يفلح الطاغون» وفي هذا الموقف العنيف شاب في ريعان شبابه وغضارة الفتوة تدعوه سيدته الجميلة إلى نفسها فيغلبه دينه ويعصمه ربه من الوقوع في الخطيئة وليحفظ له ذمة وشرف سيده الذي حدب واكرم مثواه ومكن له في بيته وجعله المتصرف في امواله وخدمه ووثق به ثقة لا حدود لها فلا يجب ان يقابل جميله بالنكران والجحود والخيانة. وكان لا بد من يوسف عليه السلام ان يولي وجهه شطر الباب للخروج طالبا النجاة لنفسه وحفاظا على كرامة من اكرمه وليهرب من غواية الشيطان، وهي تحاول جذب ثوبه من الخلف وهو الرافض لمشاعره الشبابية والدعوة الشيطانية ورغبة سيدته «زليخا» حتى تمزق ثوبه، واستطاع ان يغلبها ويفلت من يدها ويسبقها إلى الباب وهو يريد فتحه وهي تحاول دون ذلك واذ بزوجها بالباب يريد الدخول فادركت ذلك وارادت ان تشفي غل صدرها وحقدها على يوسف وفقدانها لتحقيق رغبتها المشتعلة في قلبها، فتقدمت نحو زوجها باكية شاكية قائلة «ما جزاء من اراد بأهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم» وافهمته انه راودها عن نفسها وانها ابت عليه وكان العزيز عند دخوله يصحبه ابن عمه فقال له «ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين» فالمهاجم على المرأة وهي تدفعه يكون اثر دفاعها على ثوبه من المام والهارب منها يكون التمزق من الخلف. فظهر حق يوسف وكذب امرأة العزيز عندما رأوا ان قميصه قدّ من دبر ولما تبينت الحقيقة قال العزيز «انه من كيدكن ان كيدكن عظيم» فأمر العزيز يوسف بكتمان الخبر وامر زوجته بالاستغفار لذنبها وصرح بأنها مخطئة فيما صنعت. لكن الخبر شاع في المدينة وتحدث الناس عن حادثة امرأة العزيز ويوسف، ولاكت افواه النساء سيرة «زليخا» ودوى صدى هذا القول في اذن امرأة العزيز فأخذت في الكيد لهن ليعذرنها. فارسلت الى سيدات الطبقة الراقية في المدينة دعوة إلى القصر في جلسة سمر وقدمت اليهن فاكهة تحتاج إلى سكينة لقطعها واحضرت سكينة لكل سيدة وفي تلك اللحظة «وقد رتبت الامر» امرت يوسف ان يخرج عليهن، فبهرن بجماله وشغلن بمحاسن خلقه ومطالعة جماله، فألهاهن ذلك من ان يحسن قطع الفاكهة التي بأيديهن فصرن يقطعن ايديهن ويقلن «ما هذا بشر ان هذا إلا ملاك كريم» حينئذ باحت امرأة العزيز للنساء بما كان يخبئه فؤادها من لوعة الحب والعشق بلواه لعشاق مثله «فذلكن الذي لمتنني فيه وقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن يفعل ما امره ليسجنن وليكونن من الصاغرين» وهنا نرى ان امرأة العزيز «زليخا» قد اعلنت عن حبها لسيدات الطبقة الراقية المصرية في تلك الايام البعيدة، ورغم انها لقيت صدودا من النبي يوسف عليه السلام إلا انها لم ترتدع وقد صدعها الهوى مرة ثانية متوعدته ان ينصاع لرغبتها الشهوانية ويخضع لإرادتها وإلا كان مأواه السجن والعذاب.ولما كان الخبر شاع في المدينة فقد رأى مستشارو العزيز لكف ألسنة الناس وعدم تداول القصة بينهم ان يعمل على زج يوسف في السجن ليتصور الناس العزيز ما ادخل في السجن إلا لكذبه وادعائه الباطل وان زوجة العزيز «زليخا» بريئة مما اتهمت وكذبت به. ولقد سجن يوسف لجريمة لم يرتكبها، إلا ان الله سبحانه وتعالى قد هيأ الاسباب ليوسف لخروجه من السجن فأرسل الملك إلى تلك النسوة وسألهن عن شأنهن في ذلك اليوم فقلن للملك فرعون «حاش لله ما علمنا عليه من سوء» وهذه الشهادة احرجت مركز امرأة العزيز وسدت وجهها المسالك فلم تجد للانكار سبيلا فقالت: الآن حصحص الحق، انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين، وبهذا الاقرار الصحيح من امرأة العزيز برئ يوسف من تهمة مراودته لها وخروجه من السجن بعد ان حبس ظلما وعدوانا وقد اكرمه الله سبحانه وتعالى بعد ذلك بقوله «وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع اجر المحسنين. ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون. صدق الله العظيم.